“مُحارَبَةُ داعِش”… ونِظامٌ إِقْلِيمِيٌّ تَتَسَيَّدُهُ إسرائيل
الشمال نيوز

“مُحارَبَةُ داعِش”… ونِظامٌ إِقْلِيمِيٌّ تَتَسَيَّدُهُ إسرائيل!
*علي شندب
بِسُرْعَةِ الضَّوْء، تَعْمَدُ الإِدَارَةُ الأَميرْكِيَّةُ التْرَامْبِيَّةُ إِلَى تَثْميرِ التَّحَوُّلاتِ الْعَمِيقَةِ التي أَحْدَثَتْها في الْمِنْطَقَة، فَإِعادَةُ رَسْمِ مَناطِقِ النُّفُوذِ وَهَيْكَلَةِ تَضَارِيسِ المِنْطَقَةِ التي أُسْقِطَتْ بِالْكَامِلِ فِي الْقَبْضَةِ، لا الْحُضْنِ الأَميرْكِيِّ – الإِسْرائيلِيِّ، تَجْرِي عَلَى قَدَمٍ وَسَاق.
تَرْسِيمُ النُّفُوذِ مُصْطَلَحٌ يُجَانِبُهُ الصَّوَابُ، فَمَا جَرَى عَمَلِيًّا هُوَ اسْتِحْوَاذٌ أَمِيرْكِيٌّ مُطْبَقٌ عَلَى كَامِلِ الْمِنْطَقَة. وَحْدَهُمُ الأَمِيرْكِيُّونَ وَالإِسْرَائيليّونَ مَنْ يَمْلَؤونَ فَرَاغَ النُّفُوذِ الإِيرَانِيِّ، الَّذِي ما كانَ لَهُ لِيَتَسَيَّدَ المِنْطَقَةَ لَوْلَا التَّخَادُمُ الَّذِي انْطَلَقَ بَيْنَ المُحَافِظِينَ الجُدُدِ بِقِيَادَةِ جورْج دَبْلْيو بُوش عَشِيَّةَ غَزْوِ العِرَاقِ وَاحْتِلَالِهِ عَامَ 2003، وَبَيْنَ المُحَافِظينَ الإيرانِيّينَ، وَمِنْ ثَمَّ تُوِّجَ بِالرَّقْصَةِ النَّوَوِيَّةِ الشَّهِيرَةِ بَيْنَ باراك أوباما وَعلي خامِنْئي.
رَقْصَةٌ نَوَوِيَّةٌ أَفْضَتْ إِلَى إِطْلاقِ يَدِ إيرانَ، فَجَعَلَتْ مِنَ العِرَاقِ حَديقَةً خَلْفِيَّةً لِطَهْرانَ، وَمِنْ دِمَشْقَ قاعِدَةً ذَهَبِيَّةً وَرَأْسَ جِسْرِ “مِحْوَرِ الْمُقَاوَمَة” عَلَى ضَفَّتَيْ جَنوبيّ لُبْنَانَ وَالبَحْرِ الأَبْيَضِ المُتَوَسِّط. رَقْصَةٌ نَوَوِيَّةٌ شَكَّلَتْ فِيهَا جَحَافِلُ قَاسِمِ سُلَيْماني وَأَذْرُعُهُ آلَةَ رَسْمِ النُّفُوذِ الإِيرانيّ المُتَغَوِّلِ فِي عَوَاصِمَ عَرَبِيَّةٍ عِدَّة.
وَعَبْرَ هَذِهِ الآلَةِ تَمَّ تَحْجِيمُ وَتَهْشِيمُ وَتَهْمِيشُ المُكَوِّنِ السُّنِّيِّ فِي العِراقِ وَسورِيا وَلُبْنان، وَبِغِطَاءٍ كامِلٍ مِنَ الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ اسْتِراتيجيَّتُها مِثْلَ هَذَا التَّخادُمِ الَّذِي بَدَا كَخِنْجَرٍ فِي الخَواصِرِ الخَليجِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ الرَّخْوَةِ وَالصُّلْبَةِ مَعًا. وعلى الرَّغْمِ مِنْ هُتَافَاتِ “المَوْت لِأَميرْكا”، انْدَفَعَ التَّخادُمُ الإيرانِيُّ – الأَميرْكِيُّ في إِحْكَامِ السَّيْطَرَةِ عَلَى الْمِنْطَقَةِ تَحْتَ شِعارِ “مُحارَبَة داعِش”.
وعلى خَطِّ الإِيَابِ لِلمَشْروعِ الأَميرْكِيِّ الَّذِي يُمْسِكُ بِمِقْوَدِهِ الْيَوْمَ دونالْد تْرامْب، غَيَّرَتِ الإِدارَةُ التْرامْبِيَّةُ مِنْ أَدْوَارِ اللَّاعِبِينَ الإِقْليمِيِّينَ دونَما تَغْيِيرٍ فِي مَسَارِ المَشْروعِ الأَميرْكِيِّ – الإِسْرائيلِيِّ الهادِفِ إِلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنَ السَّيْطَرَةِ عَلَى الْمِنْطَقَة.
إِذَا كَانَتْ جَحافِلُ جورْج دَبْلْيو بوش عَبَرَتْ إلى العِراقِ على الجِسْرِ الشّيعِيّ، فَإِنَّ أَساطيلَ دونالْد تْرَامْب تَعْبُرُ اليَوْمَ، بِاتِّجاهِ إيران انْطِلاقًا مِنْ حَيْثُ تَمَوْضَعَتْ أَذْرُعُها على الجِسْرِ ذاتِه، لَكِنْ بِالعَجَلاتِ السُّنِّيَّةِ!.
وفي رِحْلَتَيْ الذَّهَابِ الَّتِي انْطَلَقَ فِيهَا القِطارُ الأَميرْكِيُّ بِقِيَادَةِ بوش الِابْنِ، وَالإِيابِ المُزَوَّدِ بِأَنْيابِ الذَّكاءِ الِاصْطِناعِيِّ بِقِيادَةِ دونالْد تْرَامْب، كَانَتْ “مُحارَبَةُ الإِرْهاب” هي اللَّافِتَةُ الَّتِي بِاسْمِهَا يَشُنُّ “العَمّ سام” حُروبَهُ الَّتِي عَدَّلَ لافِتَتَهَا بِاسْمِ “مُحَارَبَةِ داعِش”.
إِنَّهُ “داعِش” الَّذِي لِأَجْلِ مُحَارَبَتِهِ أَسَّسَتِ الوِلاياتُ الْمُتَّحِدَةُ بِقِيَادَتِهَا تَحالُفًا دَوْلِيًّا لِلْقَضاءِ عَلَيْه. وَلَعَلَّ المُتَتَبِّعَ الحَصِيفَ لِمَرَاحِلِ الحَرْبِ عَلَى “داعِش”، يَكْتَشِفُ أَنَّ هَذا التَّنْظِيمَ، على الرَّغْمِ مِنَ الحَرْبِ الضّارِيَةِ الَّتِي شُنَّتْ عَلَيْهِ، لَمْ يَزَلْ “اللَّافِتَة” الَّتِي بِاسْمِها تَتِمُّ إِعادَةُ هَيْكَلَةِ المِنْطَقَةِ وَرَسْمُ تَضاريسِهَا، بَلْ وَصِياغَةُ النِّظَامِ الإِقْليمِيِّ الجَديدِ على أَنْقاضِ النِّظامِ الإِيرانِيِّ الْمُتَحَلِّلِ جَرّاءَ حُروبِ مَا بَعْدَ الطّوفانِ على “حزْبِ اللَّه” وَإيرانَ الَّتِي يُوَصِّفُها بِنْيامِين نِتَنْياهو بِـ”رَأْسِ الْأَفْعَى”.
إِنَّهُ النِّظَامُ الإِقْليمِيُّ الَّذِي لَمْ تَزَلْ سورِيا بِنِظامَيْها السّابِقِ وَالحالِي تُشَكِّلُ حَجَرَ الرَّحَى فِيهِ. جُلُّ مَا حَصَلَ أَنَّ سورِيا الجَديدَةَ بِقِيادَةِ أَحْمَد الشَّرْعِ تَتَحَضَّرُ لِلِانْخِرَاطِ رَسْمِيًّا في التَّحالُفِ الدَّوْلِيِّ لِمُكافَحَة “داعِش” وَالتَّوْقِيعِ فِي البَيْتِ الأَبْيَضِ عَلَى هَذَا الِانْخِرَاطِ، الذي وَضَعَ سُورِيَا بِكُلِّهَا وَكُلْكلهَا ضِمْنَ القَبْضَةِ الأَميرْكِيَّة. وَبِاسْمِ انْخِراطِ سورِيا وَرَفْعِ مَا تَبَقَّى من عُقُوباتٍ عَلَيْها، سَيَكُونُ التَّوْقيعُ على انْخِراطِها فِي التَّحالُفِ الدَّوْلِيِّ لِمُكافَحَةِ “داعِش” بِمَثابَةِ “اللَّافِتَةِ المُعْلَنَة” لِتَوْقيعٍ مُرْتَقَبٍ عَلَى اتِّفاقِيَّةٍ أَمْنِيَّةٍ مَعَ الكِيانِ الإِسْرائيلِيّ الذي لَطالَما اعْتَبَرَ بَعْضُ ساسَتِهِ أَنَّ حُكومَةَ دمَشْق تَتَبَنَّى خِياراتٍ مُتَطَرِّفَةً ضِدَّ إِسْرائيل وَالْعالَمِ الْحُرِّ!.
بِهَذا المَعْنَى، باتَتْ سورِيا المُقْدِمَةُ على خِياراتٍ اسْتِثْنائِيَّةٍ تُجاهَ إِسْرائيلَ، مَحَلَّ امْتِداحِ الإِدارَةِ التْرامْبِيَّةِ وَمَبْعوثِهَا توم بَارَّاك الذي يَعْتَبِرُ أَنَّ دِمَشْقَ تَسيرُ على الطَّريقِ الصَّحِيحِ بِاتِّجاهِ تَلْ أَبيب، وَهِيَ الطَّريقُ التِي يَنْبَغِي على لُبْنانَ أَنْ يَسْلُكَها قَبْلَ أَنْ يُتْرَكَ لِمَصيرِهِ المَحْتوم. وَإِذا ما اعْتَمَدَ لُبْنانُ وَصْفَةَ بارَّاك فَسَيُسْقِطُ عَنْهُ بارَّاك إِيّاهُ، صِفَةَ “الدَّوْلَةِ الْفاشِلَة”. بِهَذا المَعْنَى، باتَتِ التَّوَجُّهاتُ السّورِيَّةُ الجَدِيدَةُ بِمَثابَةِ البوصَلَةِ التِي يَنْبَغِي على دُوَلِ الْمِنْطَقَةِ اتِّباعُها، قَبْلَ أَنْ يُتْرَكَ مَصِيرُها لِبِنْيامِين نِتِنْياهو.
بِهَذَا المَعْنَى أَيْضًا، بَاتَتِ الدّيبْلوماسِيَّةُ الأَميرْكِيَّةُ المَنْزوعَةُ الْقُفّازاتِ كَمَا يَفْعَلُ توم بارَّاك، أَشَدَّ فَتْكًا وَهَوْلًا مِنْ قَصْفِ الطَّائِراتِ وَالمُسَيَّراتِ وَالمُقَنْبِلات. لَقَدْ كَشَفَتِ الأَدَبِيّاتُ الأَميرْكِيَّةُ الجَديدَةُ أَنَّ الإِدارَةَ التْرامْبِيَّةَ اسْتَبْدَلَتِ الْقُفّازاتِ بِأَنْيابٍ فولاذِيَّةٍ تَطْحَنُ كُلَّ مَنْ يُناقِشُ إِمْلاءاتِهَا، وَلَيْسَ يَرْفُضُها فَقَط.
إِنَّ التَّهْديداتِ التْرامْبِيَّةَ بِلِسانِ توم بارَّاك وَلِينْدْسي غْراهام حَوْلَ مَصِيرِ لُبْنانَ بَعْدَ الْمَواقِفِ الأَخِيرَةِ لِلرَّئِيسِ اللُّبْنَانِيِّ جوزاف عَوْن وَطَلَبِهِ مِنَ الجَيْشِ الرَّدَّ على تَوَغُّلاتِ الجَيْشِ الإِسْرائيلِيِّ، جَعَلَتِ المَواقِفَ الإِسْرائِيلِيَّةَ مُتَأَخِّرَةً عَنِ المَواقِفِ الأَميرْكِيَّة. وَإِنَّ اسْتِئْنافَ الحَرْبِ عَلَى لُبْنانَ أَوِ التَّهْديدَ بِاسْتِئْنافِها، لَا يَضَعُ مَجالًا لِلشَّكِّ بِأَنَّ المَطْرُوحَ عَلَى لُبْنانَ، وَاسْتِطْرادًا المِنْطَقَة، هُوَ الرُّضوخُ وَالِاسْتِسْلَامُ العَارِي من كُلِّ الْتِبَاسٍ لِـ”إِسْرائيل” وَمِنْ دونِ أَيِّ تَجْميلٍ أَوْ تَزْيين.
ما يَجْرِي مَعَ لُبْنان، مُتَطابِقٌ مَعَ اخْتِلافِ الظُّرُوفِ مَعَ ما فُرِضَ على غَزَّةَ، إِنَّهُ الفَرْضُ الَّذِي يَنُصُّ بِوُضُوحٍ عَلَى نَزْعِ سِلَاحِ “حَمَاس” وَالمُقاوَمَة الْفِلَسْطِينِيَّة وَ”حِزْبِ اللَّه” مَعًا. ما يَعْنِي أَنَّ الوِلاياتِ الْمُتَّحِدَةَ وَإِسْرائيلَ وَجَدَتا نَفْسَيْهِما أَمامَ لَحْظَةٍ تارِيخِيَّةٍ تَسْمَحُ لَهُما بِادِّعاءِ النَّصْرِ الْكَامِلِ وَالْكاسِحِ عَلَى “فِكْرَةِ الْمُقاوَمَة” قَبْلَ رِجالِها وَسِلاحِها.
بَعْدَ غَزْوِ الْعِراقِ وَاحْتِلالِه، شَعَرَ “البوشِيُّون” وَالمُحافِظونَ الْجُدُدُ بِنَشْوَةِ النَّصْرِ، لَكِنْ بَعْدَ ساعاتٍ على هَذا الغَزْوِ تَمَكَّنَتِ “المُقاوَمَةُ العِراقِيَّةُ الأَصْلِيَّةُ” مِنْ زَرْعِ أَوَّلِ عُبْوَةٍ اسْتَهْدَفَتِ الْمَشْروعَ الأَميرْكِيَّ فَعَطَّلَتْهُ إلى رِحْلَةِ الْإِيابِ هَذِهِ وَالَّتِي يَقُودُها الْمَهْجُوسُ بِجائِزَةِ نوبل لِلسَّلام، دونالْد تْرامْب!.
ثُمَّةَ مَنْ يَرَى أَنَّ الِانْدِفاعَةَ الأَميرْكِيَّةَ – الإِسْرائيلِيَّةَ وَنَشْوَةَ تْرَامْب وَنِتِنْياهو بِهَزِيمَةِ “المُقاوَمَة”، قَدْ تُفَجِّرُها عُبْوَةٌ شَبِيهَةٌ بِعُبْوَةِ “المُقاوَمَةِ العِراقِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ”، لَا سِيَّما أَنَّ ادِّعاءاتِ تْرامْب بِالسَّلامِ الْقائِمَةِ عَلَى شَطْبِ القَضِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّة، وَعَلَى نِظامٍ أَمْنِيٍّ إِقْلِيمِيٍّ جَدِيدٍ تَتَسَيَّدُهُ إِسْرائيل، مُنافِيَةٌ لِلْعَبَثِ الِارْتِجالِيّ التْرامْبي المُسْتَفِزِّ لِمِلْيَارٍ وَنِصْفِ مِلْيَارِ عَرَبِيٍّ وَمُسْلِمٍ على امْتِدادِ الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ يَعْتَبِرونَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، أَنَّ فِلَسْطينَ تُشَكِّلُ وِجْدَانًا جَمْعِيًّا عَميقًا ضارِبًا فِي أَعْماقِ التّاريخِ وَسَيَكُونُ لَهُ كَلِمَتُهُ الْفاصِلَةُ فِي لَحْظَةٍ تارِيخِيَّةٍ مُنَاسِبَة.