الرد الاسرائيلي المنضبط على ايران وقراءته ضمن معادلة الردع في المنطقة
الشمال نيوز – عامر الشعار
الرد الاسرائيلي المنضبط على ايران وقراءته ضمن معادلة الردع في المنطقة
بقلم: حمد رستم | ٢٨-١٠-٢٠٢٤
في العلاقات الدوليّة وموازينها دائما ما تسعى الدول لامتلاك وتكوين عناصر قوّتها بهدف تشكيل حالة ردعيّة تفرضها في وجه خصومها أو المتربّصين بأمنها، وتظهر تجارب التاريخ أنّ الدولة التي تمتلك قوة أكبر، سواء في العتاد أو العدد تكون هي صاحبة اليد العُليا في محيطها، كما تكون صاحبة المهابة والحضور ما يجعل أيّ مساس بأمنها ومصالحها يعني تهلكة لخصومها.
🔷️مفهوم الردع الدولي وارتباطه بالأمن القومي للدول
إذاً الردع هو مفهوم لطالما ارتبط بشكلٍ وثيق بالأمن القومي للدول، تنشد الدول من خلاله صورة من الهيبة والقوة والعنفوان تمنع أي خصم من التفكير في الاعتداء عليها وجعله يفكر بأنّ أيّ مساس في هذه الدولة سوف يترتّب عليه تَبِعات وأثمان باهظة، يهاب أيّ كان أن يقع في أتونها.
والردع لا يقتصر أبداً على القدرة على التدمير وامتلاك الإمكانيّات العسكريّة التي تخوّل الدول البدء بالهجوم، بل هو مفهوم ونظريّة أمنيّة تطبّقها الدول كحالة استباقية رادعة ، تمنع الحروب قبل نشوبها أو تضبط إيقاع قواعد الاشتباك عند اندلاعها، أو تفرض على الخصوم صِيَغ حلول دبلوماسيّة وسلمية تدفع لتقديم تنازلات تتماشى مع المصالح القومية العليا للدولة.
🔹الردع الإيراني وديناميكيات القوة في المنطقة
ضمن هذا السياق يمكننا فهم سعي النظام في إيران لتكوين عناصر القوّة والردع، سواء عبر بناء جيشه ومنظومته الصاروخيّة، أو سعيه لامتلاك السلاح النووي، بالإضافة لدعم حركات المقاومة بالمنطقة وترويضها والتأثير المباشر بقرارها العسكري والسياسي، بهدف تحويلها لأدوات وخطوط دفاع أماميّة يمسك خيوطها مما يخوّله تقاسم النفوذ والأدوار مع الأمريكي في المنطقة.
وهنا لا بدّ من الاشارة إلى أنّ الأدوار في العلاقات الدوليّة تُكتسب اكتساباً وتٌفرَض على اللاعبين الكبار، ولا تُؤخذ كمنح وجوائز كما يحلو للبعض أن يصوّر، وكأنّ الولايات المتّحدة تمنح أدواراً لهذا وذاك مكرمة لعيونه أو كرهاً بخصومه، ففي الحقيقة أنّ أميركا تتقاسم النفوذ مع من يمتلك كيان واضح المعالم ولديه رؤية واستراتيجيّة في الإقليم تجبر الأمريكي وغيره على أن يتفاهم معه وينسق معه لعب الأدوار، بمعنى آخر وعلى سبيل المثال لو أنّ العرب أصحاب همّة ومتحدون في كيان متماسك ويمتلكون الحدّ الأدنى من عناصر القوّة بفعل جهدهم وليس بفعل التبعيّة للغرب والارتهان له ، وقاموا باحتضان قضاياهم العليا التي تعيش في وجدان شعوبهم وجعلوا منها أداة وسلاح في فرض إرادة تلك الشعوب وخياراتها، لأصبح العرب هم أصحاب الدور ولاعبون رئيسيون في التوازنات الإقليمية ولكانوا هم من يتقاسمون مع الأمريكي النفوذ في إيران مثلاً.
🔹الأدوار في الساحة الدولية تُفرض ولا تُمنح
إذاً الأدوار في الساحة الدوليّة تُأخذ ولا تعطى، بدليل أن الأمريكي ينظر إلى العالم على انّه حُزَم من المصالح والمواد الخامّ والممرّات المائيّة وخطوط الإمداد والطاقة، ولا يقيم أيّ اعتبار لدين أو قوميّة أو عرق، فهو يتصرّف وفق مصالحه العليا، وعلى الآخرين أن يدركوا كيف عليهم أن ينبروا للحفاظ على أدوارهم ومصالحهم بالجهد والكدّ وليس بالتبعيّة العمياء والارتهان، بدلا من مطالبة الخصوم بالكف عن إحراز النجاح والتقدم وكسب الأدوار، فالمشكلة والعيب يكمن في عجزنا نحن العرب عن امتلاك عناصر القوة والنجاح وليس باجتهاد خصومنا.
وبناءً عليه قد ذكرنا أميركا بوصفها اللاعب الأساسي والممسك الأول في خيوط اللعبة، أما العدوّ فهو مجرّد أداة وجبهة أمامية لها في المنطقة، ومجرد هراوة بيدها ليس إلّا، فصاحب الحلّ والربط هي أميركا وليست اسرائيل، ولكل هذا كان تركيزنا عليها في قراءة توازنات الإقليم.
🔹معادلة الردع: بين الرد الإسرائيلي والحسابات الأمريكية
لذلك لا بدّ للمرء من الابتعاد عن صخب السجالات الساذجة الدائرة على شاشة التلفزة، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن يستطيع بنقاء ذهني وصفاء في الرؤية ، والتسلح بمنطقٍ متزن وموضوعي خارج دوافع الحقد او الكره، أن يتثنى له قراءة طبيعة الرد الإسرائيلي المنضبط والصوري على الهجمات الإيرانية الأخيرة وبالتالي استنتاج وفهم ملامح معادلة الردع الجديدة في المنطقة بعيداً عن اهوائنا وخصوماتنا مع أي طرف.
وهنا يُطرح السؤال هل باتت تشعر إسرائيل بالردع أمام الهجوم الصاروخي الذي نُفذ في مطلع هذا الشهر؟ والذي استطاعت فيه إيران أن توصل عدداً كبيراً من الصواريخ الباليستية، كفعلٍ لم يسبقها عليه غير العراق ونظامه القومي الوطني يوم دك اسرائيل ب٣٩ صاروخ سكود عام ١٩٩٠، ثم لماذا اميركا رفضت ان تدخل الحرب بشكل مباشر بالنيابة عن اسرائيل؟ اليس لأنها قد ادركت ان تحقيق المكاسب بعيد المنال وسوف تدخل نفسها في حرب استنزاف لا بد أن يصفق لها الروسي والصيني في طبيعة الأمر ويعمل على تسنيد الجبهة من خلف إيران.
🔹روسيا ودورها في فهم مصيرية المعركة
من اللافت أن روسيا بدأت تتعامل مع المعركة في المنطقة ليس فقط على قاعدة أنها شريكٌ مضارب في المرابح فقط، بل أصبحت تدرك ان هذه المعركة التي يرمي الأميركي فيها بكل ثقله، هي معركة كبرى سوف يولد من رحمها صياغة المشهد العالمي الجديد، وتتشكل على وقع نتائجها لعبة التوازنات الدولية، فإن إرسال منظومة الأس٤٠٠ وبعض انظمة الدفاع الروسية الى إيران أكبر دليل على وعي روسيا لأهمية المعركة ومصيريتها.
🔹ضبط إيقاع الرد الإسرائيلي وفق حسابات الردع والمصالح
وفي ظل هذا المشهد ببعده الاستراتيجي يُعد ارسال الصواريخ والمسيارات من قبل إيران وقوى المقاومة وخرق سيادة العدو الجوية ليست أبداً مادة للتهكم والتنمر، في ظل فهمنا لطبيعة “النظيرة الأمنية” التي يتبناها هذا الكيان ، والتي بنيت ركائزها على صورة المهابة والردع لدولة الكيان وسرعة التدخل والحسم وقوة السفك وارهاب الأعداء، فيوم تمس منظومة العدو الامنية الردعية امام شاشات التلفزة بغض النظر عن نتائج التدمير والخسائر التي تلحق به، فعلينا أن ندرك أن امراً جوهرياً فرضه الميدان، وأن ايقافه بات يفوق طاقة إسرائيل وأميركا معاً، ومما لا لبث فيه أن أميركا لا تجري تمثيليات على حساب اسس نظرية الأمن الاسرائيلية والتي بلورها دايفد بينغوريون فور تأسيس دولة هذا الكيان بناء على اطروحة “الجدار الحديدي” لزائيف جابوتنسكي(١٨٨٠-١٩٤٠) فاللعب بمهابة وصورة اسرائيل الردعية أمر يدخل في أسس تكوينها وهوغير قابل للمساومات في البازارات السياسة.
كما أن استمرار الولايات المتحدة وإسرائيل في بحث شكل الرد المحتمل، وتحديد حدته وأهدافه لمدة شهر كامل، مع تقييم رد الفعل الإيراني واحتمالات توسع المواجهة بدخول أطراف جديدة إذا كانت الضربة قاسية واستهدفت منشآت النفط أو القواعد النووية، يعكس بوضوح أنهما باتتا مكبّلتين تحت تأثير التوازنات الدولية الراهنة.
بالإضافة إلى ادراك أن عدم لجم الإسرائيلي وضبط حدة رده سوف يعرض مصالح اميركا والعالم للخطر، هذا القلق محكوم بالخوف على قواعدها المنتشرة في كل المنطقة والخشية من زيادة التوتر في الممرات المائية خصوصاً في مضيق هرمز وباب المندب والبحر المتوسط الذي قد يدخل في دائرة التوتر مما ينعكس سلباً على خطوط امداد الطاقة والتبادل التجاري في العالم كله، والذي سينتج عنه إرتفاع مخيف في اسعار النفط وقد يدفع إيران على اعلانها امتلاك السلاح النووي او الفصح عن مراحلها المتقدمة في امتلاكه، وهو ما لا تستطيع واشنطن تحمل تبعاته.
🔹معادلات الردع حقيقة تصاغ بين الاطراف الفاعلين
في ضوء هذه التوازنات لا بد من العودة الى فكرة، أن من يُجبَر في اطراف النزاع على دراسة التبعات والنتائج المتأية من جراء رده واعتدائه على خصمه، يفسر ُويعد بالمعنى السياسي والاستراتيجي أنه بات مردوع ويقيم وزناً واعتبار للخصم الذي أمامه، او بالحد الادنى يتساوى معه في معادلة الردع، او يتبادلان راية التفوق واليد العليا ضمن جولات تكون بمسارها العام متعادلة.
تظهرمعادلة الردع الحالية وطبيعة الادوار في الأقليم أن اميركا لا تتقاسم ادوار الا مع من يفرض نفسه لاعبا حقيقياً ضمن المعادلة، ولا تقيم أي وزن لأصحاب الارض أي العرب كونهم اتباع وخارج معادلة الفعل، والمشكلة هنا ليست في خصومنا، بل في عجزنا عن امتلاك أدوات القوة والقدرة على فرض الأدوار.