خلف الحبتور… عودة الثقة العربية إلى لبنان ورسالة إخويه من الخليج العربي إلى سوريا
الشمال نيوز – عامر الشعار

*خلف الحبتور… عودة الثقة العربية إلى لبنان ورسالة إخويه من الخليج العربي إلى سوريا *

بقلم محمد خلدون عريمط
في مرحلة تتأرجح فيها موازين الثقة بالاقتصاد اللبناني، برز اسم خلف أحمد الحبتور، رجل الأعمال العربي الإماراتي ، كأحد أبرز الرموز العربية التي أعادت تسليط الضوء على لبنان بوصفه مساحة محتملة لعودة الاستثمار الخليجي والعربي. لم تكن زيارته الأخيرة إلى بيروت زيارة عمل فحسب، بل كانت حدثًا ذا أبعاد اقتصادية وأستثماريه وتنمويه وروحية، عكس إيمانًا عميقًا بأن لبنان لا يزال قلبًا عربيًا نابضًا بالحياة مهما اشتدت عليه الأزمات.
وصل الحبتور إلى بيروت مؤخرا بعد غياب زاد على ال 15 عاما وسط اهتمام رسمي وشعبي لافت، حيث التقى رئيس الجمهورية اللبنانية، ورئيس مجلس الوزراء، وعددًا من المرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية. وقد حملت لقاءاته طابعًا وطنيًا جامعًا، عكس قناعته بأن الاستثمار لا يزدهر إلا في ظلّ وحدة وطنية جامعه؛ واستقرار سياسي شامل. ففي لقائه مع رئيسي الجمهورية والحكومة والمسؤولين، شدّد على ضرورة توفير بيئة آمنة وجاذبة لرؤوس الأموال العربية، مؤكدًا أن لبنان بما يمتلكه من إرث حضاري وثقافي لا يستحق أن يبقى سجين الانهيار، بل هو مؤهل ليعود مركز إشعاع اقتصادي وسياحي في الشرق العربي. كما عبّر عن احترامه الكبير للدور الذي تلعبه المرجعيات الدينية في صون السلم الأهلي، وحرصه على أن تبقى علاقات لبنان مع أشقائه العرب مبنية على الثقة والالتزام المشترك.
إنّ أهمية زيارة الحبتور إلى لبنان تتجاوز بعدها الاقتصادي المباشر، فهي في جوهرها رسالة عربية تحمل في طياتها الأمل والمسؤولية. فلبنان، الذي يعاني من انهيار مالي هو الأشد في تاريخه الحديث، بحاجة إلى مبادرة من هذا النوع تعيد إليه شيئًا من الثقة المفقودة. وخلف الحبتور الذي سبق أن ضخّ في الاقتصاد اللبناني ما يزيد على 650 مليون دولار عبر مشاريع فندقية وسياحية، جاء هذه المرة بخطاب مزدوج: خطاب المستثمر الواقعي الذي يشترط الأمن والاستقرار قبل رأس المال، وخطاب الأخ العربي الذي يرى في إنقاذ لبنان واجبًا لا مجاملة.
وقد عبّر الحبتور خلال زيارته عن تفاؤله واستعداده لإطلاق مشاريع جديدة في لبنان لكنه، في الوقت نفسه، لم يتردّد في التحذير من أنّ أي استثمار كبير لا يمكن أن يزدهر في ظلّ الاضطراب الأمني والانقسام السياسي. هذه المواقف الحازمة، الصريحة والمباشرة، جعلت زيارته الاخيره موضع تقديرٍ واحترامٍ لدى الأوساط الاقتصادية والسياسية والإعلامية اللبنانية، التي رأت فيها فرصة لتصحيح المسار وإعادة جذب المستثمرين الخليجيين العرب وغيرهم ؛إلى جانب ذلك، كان للحبتور بصمة إنسانية واضحة في لبنان. فقد قدّم خلال السنوات الماضية مساعدات إنسانية تجاوزت قيمتها 73 مليون درهم إماراتي، خصّصت لدعم العائلات الاكثر حاجة والاخوه الناوزحين السوريين والفلسطينيين. وفي كلماته المتكرّرة شدّد على أن “المال لا يُثمر إلا حين يُزرع في الإنسان”، وهي عبارة تختصر فلسفته في الجمع بين الرأسمال والضمير، بين التنمية والرحمة.
لكن نشاط الحبتور لا يتوقف عند حدود لبنان، فله حضور متصاعد في سوريا أيضًا، حيث أعلن في سبتمبر 2025 عن تخصيص 2.7 مليون دولار لترميم المسجد الأموي في دمشق ودعم مبادرات اجتماعية للفئات الأكثر ضعفًا، في خطوة لاقت ترحيبًا واسعًا بوصفها مؤشرًا على عودة رأس المال العربي إلى دوره التنموي في المنطقة. كما وقّع اتفاقية تعاون مع هيئة الاستثمار السورية لتطوير مشاريع في الساحل السوري، تهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل للشباب. بهذه الخطوات، يؤكد الحبتور أن التنمية الحقيقية لا تتجزأ، وأن ازدهار المشرق العربي هو مشروع تكاملي يحتاج إلى تضامن واستقرار لا إلى تنافس وانقسام.
إن قراءة المشهد من منظور أكاديمي تظهر أن زيارة الحبتور إلى لبنان وسوريا تمثل نقطة اختبارٍ استراتيجية في العلاقة بين رأس المال العربي والاقتصادات الوطنية. فهي تكشف أن المستثمر العربي لا يبحث فقط عن العائد المالي، بل عن البيئة السياسية التي تحترم التزاماتها، والقيادة التي تنتمي إلى الفضاء العربي وتلتزم بقراراته الجماعية. ومن هنا، فإن الزيارة أعادت التذكير بأهمية أن يكون لبنان منسجمًا مع محيطه العربي، ملتزمًا بقراراته المشتركة، وساعيًا إلى بناء شراكات تنموية متوازنة مع الغرب تقوم على الثقة والاحترام المتبادل لا على الارتهان٠
في نهاية المطاف يمكن القول إن خلف أحمد الحبتور جسّد في زيارته إلى لبنان وسوريا نموذج الاستثمار الأخلاقي المسؤول، الذي لا ينفصل عن رسالته الإنسانية والعربية. فحيثما حلّ، ترك أثرًا من البناء والكرامة، وساهم في ترسيخ فكرة أن المال العربي يجب أن يُستثمر في خدمة الإنسان العربي أولاً. ومن خلال حضوره الجامع بين القصر الجمهوري والقصر الحكومي ودور العبادة الإسلامية والمسيحية، وجّه رسالة بليغة إلى العالم مفادها أن لبنان وطنٌ جامع، وأن العرب ما زالوا مؤمنين به، وأن الثقة يمكن أن تُستعاد حين نؤمن بوحدتنا وقدرتنا على النهوض من جديد٠