بطلان موضة التنظيمات المسلحة
الشمال نيوز – عامر الشعار
كتب عارف العبد – المدن
ثبت بما لا يقبل الشك، أن القضية الفلسطينية بأغلب تشعباتها، لا تزال هي القضية المركزية التي تتفرع منها باقي القضايا والاتجاهات والاهتمامات السياسية العربية. بمعنى أن الأحداث المتصلة بهذه القضية، كانت وما زالت، تشكل محور الأحداث في الوطن العربي، وعلى وجه الخصوص في المشرق منه.
وإذا أردنا الحديث عن حقب، أو مراحل سياسية، واتجاهات معينة للأحداث والتوقعات والتطورات، فقد تأكد بالتجربة المعاشة أن جميعها، ينطلق ويدور من وحول القضية الفلسطينية.
بعد أحداث نكبة فلسطين، التي تكرست إثر احتلالها وتهجير أهلها وشعبها وسكانها إلى الدول المجاورة، وفشل الجيوش العربية في إسقاط الدولة اليهودية، ثبت وتكرس أن الأنظمة العربية التقليدية الحديثة الولادة آنذاك، والتي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، قد تمرغت بالفشل. وقد تكرس ذلك في حرب 1948 وخسارة الجيوش العربية مجتمعة أمام مجموعة من العصابات الصهيونية المسلحة.
عرف الوطن العربي في أغلب دوله، بعد ذلك موجة الانقلابات العسكرية على الأنظمة الحاكمة، التي دُمغت بالفشل في مواجهة مشروع إسرائيل الوليدة.
انطلاقاً من مصر وقيادة جمال عبد الناصر، مروراً بالعراق، وصولاً إلى سوريا ومن ثم ليبيا والسودان. كانت خلفية أغلب الانقلابات العسكرية مسألة واحدة مهمة وجوهرية، وهي الوعد بتحرير فلسطين على أنقاض أنظمة قديمة قيل عنها أنها فاشلة ورجعية خانت القضية وتآمرت عليها.
امتدت هذه المرحلة من عام 1952 عام انقلاب الضباط الأحرار في مصر، وإسقاط الملك فاروق واقتلاع النظام الملكي، وما تبعها في بلدان أخرى، إلى عام 1967 عام الهزيمة العربية والناصرية تحديداً أمام إسرائيل وجيشها الصغير، وهي التي تعد من الهزائم العربية الكبرى والأساسية.
هنا تبدلت الأحوال، والاتجاهات، وبالتوازي مع الهزيمة، بدأت مرحلة جديدة هي مرحلة انتشار وصعود موجة الفدائيين الفلسطينيين، والمقاومة المسلحة التي انطلقت من الدول المحيطة بفلسطين، وعلى وجه الخصوص من الأردن وسوريا وبالتحديد لبنان.
كان ياسر عرفات قبل هزيمة 1967، ينتظر كثيراً من الوقت للحصول على موعد أو اتصال من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، لينقلب الأمر بعد ذلك رأساً على عقب، ويصبح أبو عمار رفيق درب وتنقلات الرئيس المصري، الذي أراد امتصاص النقمة والخيبة الشعبية العربية عبر احتضان عرفات والمقاومة الفلسطينية، للتعويض عن الهزيمة العربية والمصرية ولو بالصورة، أمام الرأي العام العربي الغاضب والمصدوم بنتيجة الهزيمة العربية والناصرية أمام إسرائيل.
هنا يمكن أن نفهم رغبة وحماسة مصر الناصرية، وسكوت أغلب باقي الدول العربية للقبول وتشجيع وتغطية توقيع لبنان على اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية، والسماح لها بالسيطرة على منطقة العرقوب و”فتح لاند”، لإطلاق عمليات فدائية مسلحة ضد إسرائيل تنطلق من الأراضي اللبنانية.
كان الهدف، بعد الفشل الرسمي العربي أمام إسرائيل، إلهاء وإشغال الرأي العام العربي، بالعمليات العسكرية الفدائية الفلسطينية من لبنان، للتعويض عن الفشل والهزيمة في حرب 1967، حتى لو أدى الأمر إلى اهتزاز الأمن في لبنان وضعف سلطته، وتآكلها، أمام ما سببته العمليات الفدائية الفلسطينية ورد الفعل عليها.
أغلب الدول العربية، غضت النظر عن ما يجري في لبنان، على أساس أنها عجزت عن مواجهة إسرائيل، ولا ضير من تلبيس لبنان لبوس المواجهة والمقاومة نيابة عنهم.
بعد العام 1967، بدأت حقبة المنظمات المسلحة خارج إطار الدولة، انطلاقاً من لبنان الضعيف والمرتبك. ولما حاول الفلسطينيون نقل تجربة لبنان الى الأردن، وقعت الواقعة وأنقض النظام الأردني على المنظمات الفلسطينية وطردها بعد قتال وبقوة السلاح، إلى لبنان.
سيطرت منظمة التحرير على قسم كبير من القرار اللبناني، ونجحت في استمالة أغلبيه المسلمين، وعلى وجه التحديد السنّة منهم إلى جانبها، مما عاد وفاقم وأجج قضية المشاركة في السلطة اللبنانية، وأسس وساهم في إطلاق وتظهير قضية نزاع داخلي بين مكوناتها، حيث تراكمت وأسفرت عن انفجار مواجهة مسلحة عام 1975 أطاحت بلبنان ونظامه وسلطته واستقراره.
استمرت حقبة المنظمات الفلسطينية والحرب الأهلية المسلحة خارج الدولة الوطنية وعليها من العام 1967 عام هزيمة الأنظمة العربية، بكل ويلاتها وفصولها حتى عام 1982. حين قررت إسرائيل بدعم وتوافق مع الولايات الأميركية، اجتياح وغزو لبنان، لاقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية وطردها خارج لبنان، مع كل ما رافق ذلك من مآس وويلات ونتائج سلبية.
إحدى أهم قواعد الفيزياء تقول أن الطبيعة تكره الفراغ، والضد إنما يظهر حسنه الضد، وبمجرد أن قامت إسرائيل باحتلال لبنان والسيطرة عليه عسكرياً، أطلقت بالمقابل شرارة مضادة لفعلها، حيث انطلقت في الوقت عينه وتشكلت قوى رافضة ومقاومة لهذا الاحتلال، بالتكاتف والتقاطع مع القوى إقليمية ودولية متضررة وغير موافقة، من الاتحاد السوفياتي مروراً بالأنظمة الإقليمية المواجهة، ومنها على وجه التحديد سوريا وإيران.
أعاد غزو واحتلال لبنان من قبل إسرائيل عام 1982، إطلاق أجواء مؤاتية، من المقاومة المسلحة من القوى المتضررة من تقدم المحور الأميركي الإسرائيلي، ما ولد موجة منظمات مقاومة مسلحة، بدأت وطنية مختلطة متشعبة، وانتهت فئوية محصورة بحزب الله وسوريا وإيران.
أثمرت جهود الاحتكار الإيراني السوري للمقاومة المسلحة، وحصرها بحزب الله، بعد تصفية وإبعاد جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، عن إنجاز فريد في الوطن العربي، تمثل بانسحاب إسرائيل من لبنان تحت ضغط العمليات العسكرية عام 2000 تطبيقاً للقرار الدولي 425.
الذي جرى، أن حزب الله، الذي نجح في معركة التحرير الأولى لأرض عربية محتلة بقوة السلاح، تحول إلى أداة إيرانية غب الطلب، والاستخدام في ساحات عربية أخرى، في مواجهة خصوم إيران ودفاعاً عن مصالحها. ما حول الحزب إلى بندقية للإيجار والاستخدام الإيراني في الحروب العربية الداخلية، بدل أن يبقى أداة وطنية لبنانية للحماية والدفاع والردع عند الضرورة.
ليس من داع لشرح وعرض وقائع مأساة تجربة الأذرع الايرانية المسلحة من سوريا إلى لبنان والعراق واليمن وما نتج عنها.
في المحصلة، أطاحت الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها إسرائيل بكل مسرحية الممانعة والمقاومة الإيرانية عن طريق الغير. وأظهرت النتائج فشل الأذرع في الحماية والردع، إن في سوريا أو في مأساة غزة.. وصولاً إلى لبنان المدمر والمهشم.
أن يذكر دونالد ترامب الرئيس اللبناني ومهمته بالاسم في خطاب شرم الشيخ، ويحثه على استكمال تجريد حزب الله من سلاحه، ليس مسألة عابرة، مما يدل على إنطلاق مرحلة جديدة لم يعد للقوى المسلحة الخارجة عن الدولة الدور والفاعلية التي كانت سابقاً.