تجربتي مع حزب الله ملاحظات واقتراحات
الشمال نيوز – عامر الشعار
تجربتي مع حزب الله
ملاحظات واقتراحات
قيل فيما مضى أنه لا تصح مساءلة ومحاسبة الميّت، وذلك بناء على الحديث القائل: أذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن ذكر مساوئهم.” وإذا كان بعض المدققين قد اعتبروا هذا الحديث غير صحيح، فإننا لا نجاريهم في رأيهم هذا بعد أن يوارى الغائب الثرى، فلا أحد في رأينا فوق المساءلة والمحاسبة، فالمعصومية ليست من صفات البشر مهما بلغت مكانتهم الدينية والاجتماعية من الأهمية.
إنه من الصعوبة بمكان أخلاقيا تقييم أداء تنظيم-إسلامي-أصولي-عقائدي-سياسي-جهادي-عسكري-أمني كتنظيم حزب الله، وتقييم أداء قائد مجاهد كالسيّد حسن نصر الله، الذي قضى ورفاقه حياتهم حاملين دماءهم على أكفهم ذودا عن قضية آمنوا بها، من قبل أكاديمي لم يستعمل السلاح يوما في حياته، فاقتصرت حياته المهنية على التربية والتعليم والتأليف.
ونظرا لشخصية الفقيد المحورية في حياة هذا التنظيم، فإننا لا نفرّق في هذه المقالة بين الحزب والسيّد، فالحزب هو السيّد، والسيّد هو الحزب، بمعنى أنه عندما نعتمد مصطلح حزب فإننا نقصد السيّد، وعندما نستمل كلمة سيّد نقصد بكلامنا الحزب.
إني أنتمي الى ثقافة المقاومة أبا عن جد، فوالدي وجه بارز من وجوه المقاومة الشعبية في مدينة الثورة طرابلس إبان ثورة 1958. وقد ساهمت شخصيا في التصدي المدني للهمجية الإسرائيلية في مناسبات عديدة، أبرزها كان خلال اعتداءات تل-أبيب على لبنان في نيسان 1996، حيث انتخبت ممثلا لقوى المجتمع المدني، في مدينة مونتريال-كندا، وناطقا رسميا باسمها.
لا تربطني بأمين عام تنظيم حزب الله السيّد حسن نصر الله أية صلة، إلا أنني أتعاطف مع جذوره الاجتماعية، وأقدر صفاته الشخصية الطيبة التي يشهد له بها رفاقه، ومسيرته النضالية التي تابعتها باهتمام شديد، سوى بعد تدخله في الشأن السوري، وإقحامه البلاد في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، في وقت يقف فيه سائر دول المحور متفرجين، وارتباطه بمشروع مذهبي بقيادة إيران (الهلال الشيعي)، ودوره السلبي في حماية المنظومة الحاكمة، المسؤولة الأولى والأخيرة عن الانهيارات التي تشهدها البلاد منذ سنوات، في مقابل تعزيز مشروعه الجهادي ومصالحه الإقليمية الاستراتيجية.
لا تربطني بتنظيمات المقاومة صلة تستحق الذكر، سوى لقاءات اجتماعية أو ثقافية غير مباشرة، ومحدودة في المكان والزمان، إضافة الى لقاءين سياسيين على قناة تلفزيون المنار التابعة للحزب، أحدهما كان في اعقاب تحرير الجنوب وتزامنا مع وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد، الذي وصلنا خبر وفاته خلال بث الحلقة بتاريخ 10 حزيران 2000.
أما اللقاء الآخر على هذه المحطة، فقد جرى في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث جمعنا الموقف من هذا الغزو الغاشم، فكانت مناسبة لدعوة الشعب العراقي بكل أطيافه الى رص الصفوف في وجه الغزاة الأميركان.
ومنذ ذلك الحين على وجه التقريب، انقطعت صلة الوصل فيما بيننا، وازدادت القطيعة شدة جرّاء الشبهات التي حامت حول ضلوع الحزب في اغتيال الرئيس رفيق الحريري بتاريخ 14 شباط 2005 بضوء أخضر إقليمي-دولي على الأرجح، واجتياحه بيروت وسائر المناطق اللبنانية عسكريا في 7 أيار 2008.
وقد بلغت القطيعة ذروة الذروة على إثر تدخل الحزب عسكريا في الحرب السورية بلا إذن من أحد سوى من مرجعيته في إيران، وقد وجّهتُ شخصيا إلى الحزب جملة من الرسائل عبر وسائل الإعلام والتواصل تندد بهذا التدخل.
يشكل اغتيال تل-أبيب درّة تاج محور الممانعة، والقائد التاريخي لتنظيم حزب الله، الأمين العام السيّد حسن نصر الله في 27 أيلول 2024 بضوء أخضر إقليمي-دولي على الأرجح، محطة تأمل سياسية في دورة حياة الدولة اللبنانية أرضا وشعبا ومؤسسات.
هل يفرط عقد هذا التنظيم، فيتحول الى حزب سياسي، فتلبس الحياة السياسية رداء سياسيا جديدا؟ كيف سيكون عليه تعامل الطوائف اللبنانية فيما بينها بعد غياب الذراع العسكرية لهذا التنظيم عن مسرح الأحداث؟ هل ستنفرج أوضاع الناس إقتصاديا أم سيزداد الطوق الاقتصادي على لبنان حدة؟
كيف ستتعامل تل-أبيب مع لبنان في ظل غياب الذراع العسكرية لتنظيم حزب الله عن مسرح الأحداث؟ هل سينهض هذا التنظيم من جديد، فيكمل مشروعه الجهادي في التصدي للكيان الصهيوني، بكل ما يمثله هذا الخيار من تداعيات دراماتيكية على حياة اللبنانيين؟ هل تنضم دول المحور الى المواجهة فيصبح مصير الجمهورية بأسرها في مهب الريح؟
وقد عبّرت عن رأيي المستهجِن لدور المحور المتخاذل من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وذلك خلال لقاء جمعني بالقوى الوطنية والفلسطينية في مدينة الثورة طرابلس، في تشرين الثاني ٢٠٢٣، حيث دعوت في هذه المناسبة الى انتهاج “الخيار الثالث”، الذي ناقشته أيضا في الرابطة الثقافية في مدينة الثورة طرابلس، في آذار ٢٠٢٤، خلال لقاء دعوت اليه وجوها ثورية فكرية وطلابية من حركة “ثورة بلا حدود” التي أترأسها ومجموعات ثورية أخرى.
لقد حذّرت “الحزب” مرارا وتكرارا من مغبة السقوط في فخ المواجهة العسكرية غير المتكافئة مع هذه العصابة المارقة، أبرزها كان خلال توقيعي كتابي عن الربيع العربي والفوضى الخلاقة عام 2013 في معرض رشيد كرامي الدولي في مدينة الثورة طرابلس، حيث دعوته الى فك ارتباطه بالقوى الإقليمية والانخراط في ورشة بناء الدولة الحرة السيدة المستقلة.
وقد بلغت تحفظاتي على أداء هذا التنظيم مداها الأقصى، مع تصريح نائب الحزب السابق الدكتور نوّاف الموسوي، الذي أشار فيه الى أن أي رئيس للجمهورية لا يحظى بتأييدنا، سوف يكون مصيره الموت، محذرا الذين يصطادون في الماء العكر من تكرار تجربة الرئيس بشير الجميّل، الذي كان اغتياله بمثابة واجب وطني قام به حبيب الشرتوني على حد تعبير الدكتور الموسوي؛ فمتى يحين الوقت ونطوي صفحة الماضي ونتطلع الى المستقبل؟!
ورغم مآخذي المذكورة، وعلى أثر الاختراق المخابراتي الإسرائيلي واسع النطاق الذي سقط جرّاءه آلاف المواطنين من بيئة حزب الله، والذي يثير كثيرا من الشكوك حول هوية الضالعين في هذه الجريمة الإرهابية الفظيعة، وكثيرا من الأسئلة حول الفعالية الأمنية للتنظيم، وبدافع وطني، دوّنت مواقف عدة دعوت فيها الحزب الى دراسة طبيعة هذا العدو ونواياه الدراسة الوافية، وتقييم قدراته التقييم الوافي، والتحلي بالحكمة في هذه المواجهة المصيرية، كخطوة استباقية درءا للأخطار الكبيرة التي تشكلها هذه المواجهة على مصير البلاد.
وبمعزل عن حسن نوايا أصحاب فكرة توحيد الساحات، إلا أنها فكرة مثالية بدليل أنها منيت بفشل ذريع، فلا استطاع تنظيم حزب الله إجبار تل-أبيب على إبرام تسوية في قطاع غزة تنسجم مع مصالح الشعب الفلسطيني، ولا تدخلت طهران فعليا لنصرة المظلومين في قطاع غزة، ولا تمكنت صواريخ الحوثي من إحداث تغيير في موازين القوى الإقليمية في البحر الأحمر.
وعليه، وانطلاقا مما سلف ذكره، ونظرا لفشل سياسة الردع المعتمدة من قبل الحزب في حماية لبنان من المتربصين به، فإننا، وبدافع الحرص على مصلحة الشعب اللبناني العليا، ندعوه الى إعادة النظر بخياراته الاستراتيجية، فيخطو خطوة جدية باتجاه تحوله الى تنظيم سياسي وطني، يشارك في صناعة القرار الوطني بعقل وطني.
إننا نأسف شديد الأسف على غياب شخصية تاريخية كالسيد حسن نصر الله عن مسرح الأحداث، جمعنا بها وطن كريم يستحق أن نبذل في سبيله كل غال ونفيس.
للبنان الحرية والسيادة والاستقلال، ولكل أحرار هذا العالم المجد والخلود، ولأعداء الإنسانية بئس المصير!
البروفيسور وليد جميل الأيوبي
استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية
مؤسس حركة “ثورة بلا حدود وأمينها العام