من وجعي على لبنان ما عاد فيَّ إسْكُتْ
الشمال نيوز – عامر الشعار
من وجعي على لبنان ما عاد فيَّ إسْكُتْ
يقرأون ويتفلسفون وينظِّرون، والبعض منهم يرى الأمور صراعًا شخصيًا بين أهل الفكر وجماعة الباطل، إنها الحقيقة وصراعها الصادق من أجل البقاء، في حين أن تفسيرات “الجماعة السياسية عندنا” تقرِّر أن حركة التاريخ لا يحكمها إلا أداؤهم النتن. بل في قاموسنا، إن حركة التاريخ يحكمها صراع الحق مع الباطل الذي يتمثّلون به.
المتتبع لحركة هؤلاء الساسة لا يعجزه أن يقف على حقيقة مفادها أن الصراع بين الحق والباطل هو عملية صادقة من المفترض سلوكها بشكل طبيعي، وأن حياة المناضلين الشرفاء لا يمكن أن يسودها إلا الخير المطلق، بحيث يخلو النضال الوطني من الشرور، وبالمقابل لا يمكن أن تعاني من الشر المطلق بحيث يكون القائم فيه بالحق.
لبنان يمرّ في عصر انحطاط وهو بيد أعظم طاغية عرفها تاريخه الحديث. وفي معرض استعراضي لواقع الحال مع أحد الدبلوماسيين الأوروبيين على هامش التعليق على جولة البطريرك الراعي لكل من الرئيس الفرنسي والفاتيكان، سأتوقف عند ما قاله حرفيًا وباللغة الفرنسية وسأسمح لنفسي بترجمتها وفقًا للأصول إلى اللغة العربية: “في لبنان عندكم طغاة سياسة وهؤلاء أعظم من الذين مرّوا والذين اتسموا بالظلم والطغيان والجبروت والتنكيل… وها إنهم يمارسون أشنع صور الظلم والتعذيب وألبسوا شعبكم، وأنتم أحد أفراده، من العذاب ما لا يخطر على بال أحد… مقابل هذا الذل الممارس، شعبكم وربما أنتم، لا أدري، تربّيتم على الذلة والمهانة والاستعباد. تعيشون كل هذه المدة البائسة خنوعين وأمعنوا في نكح كرامتكم… زيارة البطريرك ما هي إلا بداية الطريق لكسر طوق العبودية والإرتهان، فإن أحسنتم التفكير والتخطيط نجحتم، وإلا ستسقطون للمرة الألف. وفي كلا الحالتين، يجب أن تسلكوا موقفًا واحدًا، إما المواجهة الصادقة أو الاستقالة من الشأن العام، حيث لا عيب من هذين الخيارين، فمن الطبيعي أنهما أحد خيارتكما”.
ساسة اليوم يتحدثون عن الحرية، يحار المرء عن أي حرية يتحدثون؟! حيث أننا إذا تأملنا في مسلكيتهم لم نجد إلا بريقًا زائفًا يخدع الأنظار، والجــوهر على ما يبدو يفتقد لأي قيمة ذات مغزى. فالحرية والعدل صنوان، حيث لا يصح أن يجني أحدهما على الآخر، بينما ساسة لبنان قد انتهكوا العدل والقسط في دعوى مطالبتهم بالحرية المزعومة… هكذا هم ساسة اليوم دعاة الحرية، يريدون إخراجها من النور إلى الظلمات، ومن الحرية إلى العبودية، ومن العدل إلى الظلم وحتى البغي، ومن يريد أن يعود إلى الأصل بالفساد فهو باطل.
إنّ موضوع مقاربة رئاسة الجمهورية على يد هؤلاء، هي مسألة صنعتْ من فراغ أو نُقِلتْ من الحيز العلمي الموضوعي الذي يعتريه ظلم التدخلات الخارجية والنقص، إلى أن يلتصق بالحقيقة ظلمًا وحيدًا وعدوانًا على استحقاق بتول يُحاولون نكحه بمصالحهم الخاصة، ليلد لقيطًا يُسمّى رئيسًا على آرمة، خاوي اليدين لا طعم ولا نكهة ولا فِعْلْ، يُشبّه بال”الأجرودي”. وهكذا رئيس دمية مرفوض وغير مسموح حتى التفكير بإيصاله.
“من وجعي على لبنان ما عاد فيَّ إسْكُتْ”، واجب البطريرك وواجب المناضلين أن يكونوا عند حدود مسؤولياتهم، وأن يعوا ما يُكاد لهم من أهل الشر، وألا يُخدعوا فيما يُطلقه ساسة لبنان ومنافقو هذه الأيام، وأن يتجاوزوا اللحظة الحاضرة إلى النظر والتدبر والتأمل وكسر كل ناعق ومنافق…
“من وجعي على لبنان ما عاد فيَّ إسْكُتْ”، إنّ لأهمية النضال الشريف، ولإظهار الحق، وإزالة أي لبس، وضرورة الإجابة على كل الأسئلة، يجب أن يتصدر عمل الشرفاء في منظومة سياسية ترفض الأمر الواقع والحلول الاستسلامية، يصهرها جمع كبير من المناضلين الشرفاء ورجال دين وقادة رأي لتكون بداية الطريق لإزالة كل باطل والوقوف أمام الحقيقة، ألا وهي حرية وسيادة القرار اللبناني.
“من وجعي على لبنان ما عاد فيَّ إسْكُتْ”، وأنهي بما ورد في الكتاب المقدس: “فاثبتوا إذًا في الحرية التي حرّرنا بها المسيح ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية”.
الدكتور جيلبير المجبِّر
باريس ٢٠٢٤/٦/٥