الانعزال المديني ..!!

الانعزال المديني … بقلم رائد الخطيب
المديني، وتحويلها من مدينة منفتحة بأبعادها الثلاثية، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، هو حال العاصمة الثانية، ثمة ما يمكن تسميته بالكمون الحضاري، أو ضمور آفاق التطور والحداثة، بفضل السياسات التشخصية لا العلاجية، وبفضل الشخصنة التي غلبت على السياسات المحلية/البلدية/، والتي جعلت البلدية مركزا للسلطة لا للتنمية المحلية، تراجعت طرابلس بما هو كاف لاعداد سلسلة من الأرقام المخيفة على المستوى الاقتصادي، فكل القطاعات الاستثمارية و الانتاجية والاقتصادية، باتت في القعر، وهذا القعر بلا قرار…أي أنه لا يمكن التنبؤ بمآل المدينة بعد ثلاث سنوات من اليوم، المؤشر الاخطر هو تنامي البطالة دون سقف، انحدار الفقر دون توقف، أي افقار يومي، ثمة افلاسات خطيرة معلنة، أما الاخطر فهو “تقريش” الفقر بالجريمة والسرقات، ومن لا يتوقع ذلك فمن المؤكد أن ثمة غباء أو تعامي مقصود، عما نحن عليه اليوم…
3000 طالب
يتخرجون سنويا من الجامعات في الشمال، فيما لا تستوعب السوق اكثر من 250 الى 350 وظيفة، في جلها وظائف تقوم على المحسوبيات، فيما يتبقى نحو 2700 خريج، يتجهون إما الى اعمال صغيرة او الهجرة أو حبوب الهلوسة، التي باتت تحتل مساحة واسعة من الفئة الشبابية، ظاهرة يتم اغفالها، لكنها تهدد الكيان الاجتماعي برمته.
ولا شك أن الضرائب التي سيقرها البرلمان اليوم، ستزيد آليا الفئات المهمشة وأحزمة البؤس ستتمدد، الامر لا يتعلق بتنبؤات نوستراداموس، ولكنها الواقعية التي جعلت النمو سالبا، تتحمل السلطات العامة اي الدولة مسؤوليتها وكذلك السلطات المحلية، الشعاع الحضاري ينطفئ لمدينة تاريخية، فيما يتعطل فعل العولمة للمدينة، بالمقارنة مع بيروت او جبيل، وعلى اسم المدينة وأحيائها، ستقفل الأبواب من باب التبانة الى باب الرمل، لينطوي السكان على آلامهم وأوجاع الفقر.
في مدينة لديها كل مكونات الفعل الحضاري والعولمة، تسدل الستارة، فالى الآن لا صدمات ايجابية ماليا او اقتصادية، مع الاحباط الذي يصيب المستثمرين، والاتجاه بأموالهم الى الاقتصادات الريعية، أي البنوك لتحصيل الفوائد او البناء العقاري، وهو يؤشر الى حالة الرهاب او الخوف الجماعي من الاستثمار انتاجيا، للمصادفة التقيت برجل أعمال طرابلسي، قال إن لا أمل في الاستثمار ونحن لا ندري الى أين ذاهبون؟!..
الى أين؟،
السؤال الجنبلاطي الشهير، هو سؤال كل ابناء العاصمة الثانية، فالحراك الشعبي غير وارد بتاتا، احتجاجا على تدهور الاوضاع المعيشية ولجمها، وكتب احدهم تعليقا على ما كتبت امس “مستعد أن احرق نفسي” لتتحركوا!!.
الى متى مثلا يتم التعامل باستخفاف وازدراء، مع المرافق الحيوية المجمدة منذ عقود، والتي من اهمها مصفاة التكرير، الى متى ستبقى ساحة التل، ساحة لمسح الأحذية والنصابين والبسطات، هل هذا وسط مدينة موغلة في التاريخ، عاتبني اخي Yahya Wassef Fattal…على بوست امس، وطبعا أنا اكتب الواقعية، والتسلسل التاريخي للأزمة صحيح، ولكن السؤال، ماذا لو جاء صحافي من واشنطن، بالطبع يهمه المشهد الأخير، والانطباع الأخير، والناس ستتحدث عن آخر بلدية، جاءت بحالة غضب من الطبقة السياسية، كما يقول تقرير البنك الدولي، ولكن التغيير كان “فالصو”، كيف لمدينة أن تكون استثمارية وتمشي بقطار التنمية، والحالة الأمنية بأعلى درجاتها، من مدخل طرابلس الى الملعب الأولمبي الى قلعة سان جيل الى التبانة….الى التل؟، بربكم هل انتبه أحدكم الى أن طرابلس باتت كلها ثكنة، وطبعا نحن مع الأمن، ولكن أي مستثمر سيدخل المدينة او سائح، سيقول هناك اضطراب امني، وعلينا ان نرحل…..
ثمة هروب جماعي من المسؤولية، هذا الهروب جعل المدينة هي الأفقر على البحر المتوسط!!