مقالات مختارة

في وداع زياد الحمصي.. العروبي المتهم بوطنيته

الشمال نيوز – عامر الشعار

في وداع زياد الحمصي.. العروبي المتهم بوطنيته!

علي شندب
كرحابة سهل البقاع، كان صدر زياد الحمصي. رحابة مستنبتة من حقول البصل وبيادر القمح، رحابة منغرسة في بيادر العدس والسلطان يعقوب. كان زياد، رجل كل الفصول. متعدّد الأبعاد والاختصاصات من التصوير الى تربيض المدفعية، وزراعة الأشجار والورود..
كاميرته لا تفارقه منذ ما قبل المراهقة، بقيت رفيقته حتى الهزاع الأخير، ولطالما تحوّل معرضه للتصوير الفوتوغرافي الى تظاهرة سياسية ووطنية، سيّما وأنه يوثق لحظات حرجة وحساسة من تاريخ لبنان المتموضع على فوالق القضايا العربية من ما قبل رحيل جمال عبدالناصر، مروراً بالاجتياحات الاسرائيلية المتوالية، وصولاً الى الانتكاسة الكبرى التي تمر بها أمّة العرب.
لم يكن زياد الحمصي، مناضلاً نرجسياً، بل كان فدائياً تعرفه خنادق الجنوب، والبقاع الغربي، واقليم الخروب وبيروت. سريعاً تلقف انتفاضة جيش لبنان العربي بقيادة المرحوم احمد الخطيب، وسريعاً ارتقى بالمسؤولية العسكرية قائداً لمنطقة البقاع، ثم قائداً بالوكالة لجيش لبنان العربي أثناء اجتياح 1982، ثم رئيساً للجنة الأمنية العليا في البقاع، وهي اللجنة التي كانت ترعى أمور البقاع الأمنية، وكان محل محاولات كثيرة لتطويعه بالترهيب والسجن من قبل السوريين بشخص محمد غانم وسلفه غازي كنعان ومن بعده..
ضغوط كثيرة تعرض لها الحمصي، لكي يتبنّى خيارات مخالفة لقناعاته، وفي كل مرّة كانت سعدنايل منسجمة مع خياراته خصوصاً تلك الداعمة للمقاومة الفلسطينية والرافضة لانقسامها وخصوصا فترة الانشقاق داخل حركة فتح، وقد لعب زياد انطلاقاً من موقعه القيادي في جيش لبنان العربي، وايضاً من شخصيته ومروحة علاقاته وصدقه، لعب دوراً في حجب الدم الفلسطيني بين أبناء القضية الواحدة.
سعدنايل احتضنت زياد كفدائي في صفوف الثورة الفلسطينية، ثم كماضل وقيادي كبير في جيش لبنان العربي، ثم كعضو وقيادي في “القيادة القومية للقوات الثورية في الوطن العربي” ثم كقيادي ومؤسّس لحركة اللجان الثورية في لبنان، تلك الحركة التي يعتبر العقيد الراحل معمّر القذافي مؤسّسها وقائدها والذي لطالما التقى الحمصي منفرداً او ضمن وفود الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية، والأهم أنها كرّسته معادلة عصية على الكسر في انتخابات بلديتها.
استطاع زياد ان يكون نبض سعدنايل، واستطاعت سعدنايل ان تكون باحتضانها المتواصل لنضالات زياد وتاريخ اباءها واجدادها، معادلة قوية ذات شكيمة صلبة دفاعاً عن كل قضايا العرب، فكانت مقصداً لكل الرموز العربية والقادة التاريخيين، وآخرهم احمد بن بلّه.
زياد أسّس الكثير من المنابر والجمعيات والروابط، كما كان مؤسّساً في الكثير من المنتديات والمؤتمرات الوطنية والعربية. كان فاعلاً ومؤثّراً في النضال لرفع الحصار عن العراق الذي ترافقنا في زيارته تضامنياً قبيل أشهر من غزوه واحتلاله عام 2003. كما كان فاعلاّ ومؤثراً في جهود التضامن مع الجماهيرية الليبية قبل ان تقرّر أساطيل الناتو ودبابة المؤامرة عام 2011 تقويضها وجعلها نهباً للفوضى وشلالات الدمّ.
وسط هذه الانهيارات الهائلة، انطلق زياد في إشهار سلاح “الارادة الطيبة” التي كانت انعكاساً لتنمية سعدنايل وتطويرها، ليس على الاوستراد الدولي الرابط بين بيروت وزحلة وبعلبك، وانما أيضاً داخل أزقة البلدة، التي زرعها حباً وورداً وياسمينا، وشتولا من اشجار تلطّف جوّها وتزيد بهائها. وبهمة لا تلين أرسى زياد الحمصي معالم هي أكثر من بصمة في جبين سعد نايل، فمن القناطر الى الحدائق، والمستديرات والأرصفة الى محطة القطار التي سجّي فيها بالأمس جثمانه لصلاة الجنازة قبل رحيله الى مثواه الأخير، وقد رشّت سعدنايل عليه كل ورودها، وأدّت كل صلواتها نساء ورجال، شيب وشباب.
لعلّ أكثر المرارات التي أصابت قلب زياد، كانت الفرية المسمومة، بتعامله مع العدو، وهي الفرية التي صمتت أركان الدولة العليمة والعميقة عن حقيقتها. كان زياد الحمصي مغامراً الى حد اعتقاده بأن يكون رأفت الهجّان الثاني، فانتزع من مستدرجيه من الموساد في الصين، خرائط واحداثيات قبور (الجنود الاسرائيليين الثلاثة) الذين قتلوا في بيادر العدس في البقاع الغربي عام 1982، حيث تمكّن زياد القيادي في جيش لبنان العربي من التقاط صور لأشلاءهم ودباباتهم يومذاك، وكانت هذه الصور التي نشرها زياد في مجلته “الإرادة الطيبة” بمثابة الحافز الاسرائيلي للتواصل معه بعد فشل جهود مئات البعثات الأميركية والاوربية بحثا عن الجثث المفقودة.
اطلع زياد اجهزة الدولة اللبنانية على خرائط الاحداثيات وسلمّهم اياها، وبعد أسابيع اعتقل الرجل وقبع في السجن بتهمة “العمالة لاسرائيل”. انها التهمة التي تنوء بحملها الجبال، فكيف بمناضل أمضى كل عمره في مقارعة العدو!
قبيل خروجة من السجن شاهد زياد تقريراً تلفزيونيا يتحدث عن اجراءات أمنية اتخذتها الاجهزة العسكرية والأمنية في تلك المنطقة. خرج زياد من السجن وسط بحر بشري من ضهر البيدر الى سعدنايل. لقد انتصرت الناس بحسّها وحدسها لزياد، غير آبهة بفرمانات المحكمة العسكرية “المسيّسة” والصحافة الصفراء.
قرّر زياد قلب الطاولة، فوضع بين دفتي كتاب كل تفاصيل العملية، واطلق على كتابه اسم “لغز الجنود الاسرائيليين الثلاثة”، وهم الجنود الذين سلّم أولهم لبنيامين نتنياهو من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زمن بشّار الأسد الذي أصدرت حكومته بياناً نفت علمها بوجود جثامين. واستعادت اسرائيل الثاني وقالت أنها بجهود استخبارية اسرائيلية خاصة، في عهد حكومة احمد الشرع. فيما لم تزل جثة الجندي الثالث تنتظر الكشف عنها، لكنه الكشف الذي انطلق أولاً وآخراً، من الخرائط والاحداثيات التي قال زياد بأنها سلّمها لمحاوريه في الأمن اللبناني قبل توقيفه.
كلام حرام كثير، رشق به زياد، وبما أنّه كلام حرام، فقد قالت سعدنايل كلمتها مرة أخرة في وداعه المهيب الذي تقاطرت اليه الوفود من كل لبنان وفاء وعرفاناً، فيما غاب عنه بعض أدعياء النضال والعروبة جحوداً ونكراناً.
ان قصة زياد الحمصي، الرجل المناضل والثائر الفذّ، تتطلب اعادة قراءة مركّزة، ليس لإنصاف بان العروبة البارّ وحبيب سعدنايل، وانما منعاً لتزوير التاريخ والافتئات عليه، وجعل البطولة والنضال والمقاومة أسهماً في بورصة المقاصات المذهبية والطائفية والاتهامات الجزاف بالعمالة كأحد أوجه الاغتيال السياسي.
من تنصفه الناس، وتتوّجه بكل الحب في وداعه المهيب، الذي أضافت مسامحة أسرته الكريمة لابنة زحلة التي صدمته بسيارتها، لا يستدعي انصاف من تنكّروا له في محنته ويتنطحون اليوم طمعا باستعطاف شعبيته في محنة انتخابات نيابية عابرة..
وللحديث بقية..
في وداع زياد الحمصي.. العروبي المتهم بوطنيته!
علي شندب
كرحابة سهل البقاع، كان صدر زياد الحمصي. رحابة مستنبتة من حقول البصل وبيادر القمح، رحابة منغرسة في بيادر العدس والسلطان يعقوب. كان زياد، رجل كل الفصول. متعدّد الأبعاد والاختصاصات من التصوير الى تربيض المدفعية، وزراعة الأشجار والورود..
كاميرته لا تفارقه منذ ما قبل المراهقة، بقيت رفيقته حتى الهزاع الأخير، ولطالما تحوّل معرضه للتصوير الفوتوغرافي الى تظاهرة سياسية ووطنية، سيّما وأنه يوثق لحظات حرجة وحساسة من تاريخ لبنان المتموضع على فوالق القضايا العربية من ما قبل رحيل جمال عبدالناصر، مروراً بالاجتياحات الاسرائيلية المتوالية، وصولاً الى الانتكاسة الكبرى التي تمر بها أمّة العرب.
لم يكن زياد الحمصي، مناضلاً نرجسياً، بل كان فدائياً تعرفه خنادق الجنوب، والبقاع الغربي، واقليم الخروب وبيروت. سريعاً تلقف انتفاضة جيش لبنان العربي بقيادة المرحوم احمد الخطيب، وسريعاً ارتقى بالمسؤولية العسكرية قائداً لمنطقة البقاع، ثم قائداً بالوكالة لجيش لبنان العربي أثناء اجتياح 1982، ثم رئيساً للجنة الأمنية العليا في البقاع، وهي اللجنة التي كانت ترعى أمور البقاع الأمنية، وكان محل محاولات كثيرة لتطويعه بالترهيب والسجن من قبل السوريين بشخص محمد غانم وسلفه غازي كنعان ومن بعده..
ضغوط كثيرة تعرض لها الحمصي، لكي يتبنّى خيارات مخالفة لقناعاته، وفي كل مرّة كانت سعدنايل منسجمة مع خياراته خصوصاً تلك الداعمة للمقاومة الفلسطينية والرافضة لانقسامها وخصوصا فترة الانشقاق داخل حركة فتح، وقد لعب زياد انطلاقاً من موقعه القيادي في جيش لبنان العربي، وايضاً من شخصيته ومروحة علاقاته وصدقه، لعب دوراً في حجب الدم الفلسطيني بين أبناء القضية الواحدة.
سعدنايل احتضنت زياد كفدائي في صفوف الثورة الفلسطينية، ثم كماضل وقيادي كبير في جيش لبنان العربي، ثم كعضو وقيادي في “القيادة القومية للقوات الثورية في الوطن العربي” ثم كقيادي ومؤسّس لحركة اللجان الثورية في لبنان، تلك الحركة التي يعتبر العقيد الراحل معمّر القذافي مؤسّسها وقائدها والذي لطالما التقى الحمصي منفرداً او ضمن وفود الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية، والأهم أنها كرّسته معادلة عصية على الكسر في انتخابات بلديتها.
استطاع زياد ان يكون نبض سعدنايل، واستطاعت سعدنايل ان تكون باحتضانها المتواصل لنضالات زياد وتاريخ اباءها واجدادها، معادلة قوية ذات شكيمة صلبة دفاعاً عن كل قضايا العرب، فكانت مقصداً لكل الرموز العربية والقادة التاريخيين، وآخرهم احمد بن بلّه.
زياد أسّس الكثير من المنابر والجمعيات والروابط، كما كان مؤسّساً في الكثير من المنتديات والمؤتمرات الوطنية والعربية. كان فاعلاً ومؤثّراً في النضال لرفع الحصار عن العراق الذي ترافقنا في زيارته تضامنياً قبيل أشهر من غزوه واحتلاله عام 2003. كما كان فاعلاّ ومؤثراً في جهود التضامن مع الجماهيرية الليبية قبل ان تقرّر أساطيل الناتو ودبابة المؤامرة عام 2011 تقويضها وجعلها نهباً للفوضى وشلالات الدمّ.
وسط هذه الانهيارات الهائلة، انطلق زياد في إشهار سلاح “الارادة الطيبة” التي كانت انعكاساً لتنمية سعدنايل وتطويرها، ليس على الاوستراد الدولي الرابط بين بيروت وزحلة وبعلبك، وانما أيضاً داخل أزقة البلدة، التي زرعها حباً وورداً وياسمينا، وشتولا من اشجار تلطّف جوّها وتزيد بهائها. وبهمة لا تلين أرسى زياد الحمصي معالم هي أكثر من بصمة في جبين سعد نايل، فمن القناطر الى الحدائق، والمستديرات والأرصفة الى محطة القطار التي سجّي فيها بالأمس جثمانه لصلاة الجنازة قبل رحيله الى مثواه الأخير، وقد رشّت سعدنايل عليه كل ورودها، وأدّت كل صلواتها نساء ورجال، شيب وشباب.
لعلّ أكثر المرارات التي أصابت قلب زياد، كانت الفرية المسمومة، بتعامله مع العدو، وهي الفرية التي صمتت أركان الدولة العليمة والعميقة عن حقيقتها. كان زياد الحمصي مغامراً الى حد اعتقاده بأن يكون رأفت الهجّان الثاني، فانتزع من مستدرجيه من الموساد في الصين، خرائط واحداثيات قبور (الجنود الاسرائيليين الثلاثة) الذين قتلوا في بيادر العدس في البقاع الغربي عام 1982، حيث تمكّن زياد القيادي في جيش لبنان العربي من التقاط صور لأشلاءهم ودباباتهم يومذاك، وكانت هذه الصور التي نشرها زياد في مجلته “الإرادة الطيبة” بمثابة الحافز الاسرائيلي للتواصل معه بعد فشل جهود مئات البعثات الأميركية والاوربية بحثا عن الجثث المفقودة.
اطلع زياد اجهزة الدولة اللبنانية على خرائط الاحداثيات وسلمّهم اياها، وبعد أسابيع اعتقل الرجل وقبع في السجن بتهمة “العمالة لاسرائيل”. انها التهمة التي تنوء بحملها الجبال، فكيف بمناضل أمضى كل عمره في مقارعة العدو!
قبيل خروجة من السجن شاهد زياد تقريراً تلفزيونيا يتحدث عن اجراءات أمنية اتخذتها الاجهزة العسكرية والأمنية في تلك المنطقة. خرج زياد من السجن وسط بحر بشري من ضهر البيدر الى سعدنايل. لقد انتصرت الناس بحسّها وحدسها لزياد، غير آبهة بفرمانات المحكمة العسكرية “المسيّسة” والصحافة الصفراء.
قرّر زياد قلب الطاولة، فوضع بين دفتي كتاب كل تفاصيل العملية، واطلق على كتابه اسم “لغز الجنود الاسرائيليين الثلاثة”، وهم الجنود الذين سلّم أولهم لبنيامين نتنياهو من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زمن بشّار الأسد الذي أصدرت حكومته بياناً نفت علمها بوجود جثامين. واستعادت اسرائيل الثاني وقالت أنها بجهود استخبارية اسرائيلية خاصة، في عهد حكومة احمد الشرع. فيما لم تزل جثة الجندي الثالث تنتظر الكشف عنها، لكنه الكشف الذي انطلق أولاً وآخراً، من الخرائط والاحداثيات التي قال زياد بأنها سلّمها لمحاوريه في الأمن اللبناني قبل توقيفه.
كلام حرام كثير، رشق به زياد، وبما أنّه كلام حرام، فقد قالت سعدنايل كلمتها مرة أخرة في وداعه المهيب الذي تقاطرت اليه الوفود من كل لبنان وفاء وعرفاناً، فيما غاب عنه بعض أدعياء النضال والعروبة جحوداً ونكراناً.
ان قصة زياد الحمصي، الرجل المناضل والثائر الفذّ، تتطلب اعادة قراءة مركّزة، ليس لإنصاف بان العروبة البارّ وحبيب سعدنايل، وانما منعاً لتزوير التاريخ والافتئات عليه، وجعل البطولة والنضال والمقاومة أسهماً في بورصة المقاصات المذهبية والطائفية والاتهامات الجزاف بالعمالة كأحد أوجه الاغتيال السياسي.
من تنصفه الناس، وتتوّجه بكل الحب في وداعه المهيب، الذي أضافت مسامحة أسرته الكريمة لابنة زحلة التي صدمته بسيارتها، لا يستدعي انصاف من تنكّروا له في محنته ويتنطحون اليوم طمعا باستعطاف شعبيته في محنة انتخابات نيابية عابرة..
وللحديث بقية..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى