من الصخرة المكشوفة الى الجبل المخفي ..
الشمال نيوز – عامر الشعار
عارف العبد – المدن
الانطباع العام، الذي تكوّن بعد حادثة صخرة الروشة المشهودة، وما أحاط بها، أن حزب الله ولأسباب متعددة، ليس المجال الآن لذكرها وسردها، نجح وتمكن مرة أخرى في كسر قرار السلطات الرسمية في قضية عامة، تهم كل المواطنين. ومنها هذه المرة منع استخدام مرفق وطني عام، هو صخرة الروشة، لأغراض أو أهداف سياسية حزبية وفئوية ومن خارج إرادة السلطات الرسمية المختصة.
الأهم من ذلك كله الآن، أن أخطر ما جرى، أنه كشف في الوقت عينه عن أجنحة في السلطة الراهنة، وعن تشقق وشقوق وتفسخ في بنية الدولة والحكم الواحد، الحديث الولادة منذ فترة ليست ببعيدة، والذي أقيمت حوله ومن أجله الآمال وعقدت عليه وحوله وبشأنه التوقعات، وأقيمت بسببه الحسابات والافتراضات الإيجابية الكثيرة.
صورة الدولة اللبنانية والحكم الحالي، ما بعد الروشة باتت مصابة بتشوهات كبيرة، ومحاطة بأسئلة متعددة وكثيرة، ليس من تفسير كامل لها بعد، إذ أنها تؤشر إلى مستقبل مجهول مقلق وتوقعات سلبية، إذا ما استمر الأسلوب الراهن في الاستخدام، وهو الأسلوب أو الطريقة التي ظهرت في بعض المواقف والممارسات من قبل بعض المسؤولين ما بعد وخلال حادثة الروشة.
كما هو معروف، فان انقلاب حزب الله على التفاهمات مع السلطات الرسمية لم يحدث للمرة الأولى. بل إن ما جرى في الروشة هو تكرار حرفي متطابق، وكاريكاتوري نسخي، لما حدث عام 2006، حين أعلن حزب الله العصيان وحصار السراي الكبير ونشر الخيم في وسط مدينة بيروت.
هذه المرة، كانت الحجة الظاهرة الاحتفال بذكرى اغتيال السيد حسن نصرالله، فيما كانت الحجة السابقة التظاهر عن طريق دعوة للاتحاد العمالي العام برئاسة أمينه العام السابق غسان غصن، إثر اعتراض على قرارات حكومية ومن أجل بعض المطالب العمالية، المدموجة والمموهة بمطالبات شعبية متعددة!
يومها كانت المفاوضات، التي خاضتها رئاسة مجلس الوزراء في السراي الكبير، برئاسة فؤاد السنيورة مع المتظاهرين من خلال الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع بواسطة قيادة الجيش، التي كان على رأسها العماد ميشال سليمان.
رست الأمور يومها على اتفاق بالموافقة وبالسماح بالتظاهر وصولاً إلى ساحة رياض الصلح، للتعبير عن الرأي وإشهار المطالب العمالية والشعبية، بشرط عدم إقفال الطرق أو قطعها أو التسبب باي اعتداء على الأملاك العامة والخاصة. لكن الذي جرى أن المتظاهرين الموجَّهين من حزب الله، خالفوا الاتفاق وقطعوا الطرق ونصبوا الخيم في وسط ساحة رياض الصلح وأعلنوا العصيان حتى رحيل الحكومة!
حين تمت مراجعة قيادة الجيش والعماد سليمان آنذاك، بالذي جرى يومها، كان الجواب انهم نقضوا الاتفاق المعقود، وأقفلوا الطريق وحاصروا السراي بقرار غير متوقع منهم ومن قيادة حزب الله.
هذه الوضعية اضطرت قيادة الجيش لإرسال وحدة مغاوير لحماية السراي وتمرير رسالة أن الأمر ليس مزحة عابرة.
الأحداث التي جرت بعد ذلك، معروفة بتسلسلها حيث بقي الاعتصام والحصار في وسط بيروت والخيم المنصوبة، حتى إسقاط الحكومة في الشارع وعبر الانقلاب والغزو العسكري والهجوم المسلح الذي جرى في السابع من أيار “المجيد”، حسب تسمية السيد حسن نصرالله يومها.
الأسئلة المطروحة الآن، إزاء الأحداث الراهنة مختلفة تماماً، عن السياق السابق. بمعنى، أن التحالفات والتوازنات والخلافات المعلنة يوم الواقعة الأولى الماضية، يفترض أنها تختلف كلياً عن الأحداث والمعطيات الراهنة.
في السابق كان رئيس الجمهورية العماد أميل لحود، يناصب السراي وشاغلها ومن خلفه العداء والخلاف علناً، ومن دون مواربة.
طبعا بعض المواقف والمواقع تبدلت اليوم، وزير الداخلية الحالي أحمد الحجار، كان يومها آمرأ لسرية حرس رئاسة الحكومة، وقد أعد يومها خطة لمواجهة المتظاهرين، في حال اقتحموا السراي، وخطة لإخلاء رئيس الحكومة في حالة الطوارئ إلى خارجها وحماية العاملين فيها، وقد عاونه يومها في الإعداد لخطة المواجهة الضابط يومها في السرية نفسها، رائد عبد الله، الذي بات اليوم مديراً لقوى الأمن الداخلي.
الذي جرى هذه المرة أمام ناظري الحجار وعبد الله، كان مختلفاً من حيث الموقع والموقف وأسلوب التعاطي. لكن النتيجة كانت ولا تزال واحدة، حزب الله هشم صورة الدولة وهيبتها وضرب بعرض الحائط كل القوانين والأعراف واقترب من إصابة وهز السلم الأهلي!
الجديد في الأمر، استعادة لموقع وموقف الرئاسة الأولى بطريقة غير متوقعة أو محتسبة.
الجميع فوجئ بموقف وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى، المقرب والمحسوب على رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، والذي حاول الظهور بمظهر ولي أمر الجيش اللبناني وحاميه، حيث تحدث عن والده وقائده ورئيسه، في خطوة مفاجئة لم يفهم الجمهور مبررها وسببها.
وقد زاد في الاستغراب والاستهجان، موقف رئيس الجمهورية في منح قائد الجيش الحالي وساماً رفيعاً، من دون سابق إنذار أو مبرر كاف، وهو في بداية مهماته لا في نهايتها، ومن دون مرسوم لتنظيم الأمر حسب الدستور، بالتواقيع والموافقات اللازمة.
تصرف رئيس الجمهورية، ومواقفه مع فريقه، أظهر وكأن الدولة أو الحكم الحالي يتصدى ويتهجم على خصم غير ظاهر أو معلن ومن دون سبب ظاهر أو مبرر. وهو ما يظهر تعجلاً وتصرفاً متوتراً، بعيداً عن الحكمة والتعقل، من دون وجود مسبب كاف. ما يعزز الإنطباع الذي حاول ترويجه أو تعميمه الموفد الأميركي طوم باراك، الذي اتهم الحكومة والأجهزة الأمنية بالكلام من دون أفعال.
طرح إزاء الأحداث الراهنة أكثر من سؤال: لماذا عرض العضلات وإطلاق التهديدات والعنتريات وبوجه من كل ذلك؟! ولماذا؟
ما جرى يطرح أسئلة عن قدرة الحكم الحالي، وأركانه الميامين والعضلات المفتولة، على السير بالإصلاح المتعدد الأوجه، وإعادة البناء وتنفيذ حصر السلاح بيد الدولة.
حادثة الصخرة التي جرت أمام عدسات الكاميرا معروفة الوقائع والأسباب، ولكن المواطن الذي انتظر إنجازات وأفعال وإصلاحات ملموسة وظاهرة، بات يخاف ويقلق من الأيام المقبلة والتصرفات العنترية المتوترة والمفتعلة، التي ظهرت مؤخراً من دون تفسير ملائم ومناسب، والتي تعكس خلفيات ونفسيات وطرق حكم وتصرف وتطلعات ليست مريحة أو معلومة، وإن كانت مقلقة ومرفوضة في الوقت نفسه لأنها في حال استمرت، وتفاقمت، ستودي بالحكم والبلاد إلى التهلكة مجدداً …