مقالات مختارة

تمكين المرأة في زمن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والرقمية

الشمال نيوز – عامر الشعار

د. ربى الحاج

تمكين المرأة في زمن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والرقمية

مقدمة
في خضم التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، تبرز قضية تمكين المرأة كأحد المحاور الأساسية لإعادة تشكيل المجتمعات المعاصرة. لم يعد تمكين المرأة مجرد شعار تنموي أو مطلب حقوقي، بل بات ضرورة استراتيجية لبناء مجتمعات أكثر عدالة وابتكارًا واستدامة.

التحولات الاجتماعية وإعادة تعريف الأدوار
تشير النظريات السوسيولوجية، ولا سيما نظرية البناء الاجتماعي للأدوار، إلى أن الأدوار التي تُسند إلى النساء ليست ثابتة، بل تُعاد صياغتها مع كل تحوّل اجتماعي. ومع تراجع النظم الأبوية التقليدية في كثير من المجتمعات، بدأت النساء يقتحمن مجالات كانت حكرًا على الرجال، من القيادة السياسية إلى ريادة الأعمال، ما أدى إلى إعادة صياغة منظومة القيم والأعراف الاجتماعية.

غير أن هذه التحولات ليست متجانسة؛ ففي حين نجد مجتمعات تحتضن هذه التغيرات وتدفع بها قدمًا، لا تزال أخرى تُقاومها من منطلقات ثقافية أو دينية أو سياسية، ما يخلق فجوة بين التشريعات والواقع المعيشي للنساء.

البعد الاقتصادي: من التبعية إلى الشراكة
اقتصاديًا، لا يمكن الحديث عن تنمية شاملة دون إشراك النساء في عجلة الإنتاج. الدراسات تشير إلى أن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل ينعكس إيجابيًا على الناتج المحلي الإجمالي، ويعزز من العدالة في توزيع الفرص. ومع تحوّل الاقتصاد العالمي نحو الاقتصاد الرقمي والمرن، أُتيحت فرص جديدة للنساء، خصوصًا في مجالات العمل عن بُعد، والتجارة الإلكترونية، والمشاريع الناشئة.

لكن لا يزال هناك تحدٍ جوهري: الفجوة في الأجور، والوصول المحدود إلى التمويل، والإقصاء غير المباشر عبر القوالب النمطية. وهذا يتطلب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية من منظور النوع الاجتماعي.

الثورة
تمكين المرأة في زمن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والرقمية
في عالم يشهد تحولات غير مسبوقة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والرقمية، تتزايد أهمية تمكين المرأة كعنصر أساسي في بناء المجتمعات الحديثة. تمكين المرأة في هذا السياق لا يقتصر على منحها فرصًا متساوية فحسب، بل هو عملية تتداخل فيها عدة عوامل: التشريعات، التعليم، الاقتصاد، الثقافة، وكذلك التكنولوجيات الحديثة. فمن خلال هذه العوامل، تكتسب المرأة القدرة على تجاوز العقبات التقليدية التي كانت تحد من فرصها في المشاركة الفعالة في المجتمع.

1. الخلفية الفلسفية والاجتماعية: إعادة صياغة الأدوار
من الناحية الفلسفية، يعد تمكين المرأة مسألة وجودية قبل أن تكون مسألة سياسية أو حقوقية. منذ بداية الفلسفة النسوية، سعت العديد من المفكرات إلى التأكيد على أن الأدوار الجندرية ليست فطرية أو ثابتة، بل هي أداء اجتماعي، كما ترى جوديث باتلر. وقد أسهمت هذه الفكرة في تحطيم النمطية التي تجعل من المرأة كائنًا تابعًا، مُحكَمًا في أدوار اجتماعية محددة. من هنا، يمكن فهم تمكين المرأة في هذا السياق على أنه عملية تحريرها من الأدوار الجندرية التقليدية التي تقتصر على الأمومة أو الزوجية فقط، لتحقق مكانتها كاملة في ميادين العمل والتعليم والسياسة.

2. التحولات الاجتماعية: من التقليد إلى الحداثة
إن المجتمعات الحديثة تشهد تحولات جذرية في بنائها الاجتماعي. في الماضي، كانت المرأة تُقيَّد بالعديد من الأنماط الاجتماعية التي تُحجم دورها في المجتمع. إذ كان الزواج، والأسرة، وحياة المرأة في المنزل، هي الإطار الذي يُحاط بها. أما اليوم، فإن الواقع الاجتماعي يتغير بشكل سريع. فإن العولمة، والنزعات الحداثية، والتطورات الثقافية قد أحدثت تغيرات جوهرية في مسألة مكانة المرأة في المجتمع.

وبالرغم من أن التغيير قد يواجه مقاومة اجتماعية في بعض السياقات، فإننا نرى تحولات كبيرة في المواقف تجاه المرأة في مجالات مثل التعليم والعمل والمشاركة السياسية. فاليوم، تُعتبر المشاركة الفعّالة للمرأة في الحياة العامة، سواء في الاقتصاد أو السياسة، جزءًا أساسيًا من تطور المجتمع وتقدمه.

3. التحولات الاقتصادية: نحو استقلالية اقتصادية
الاقتصاد كان ولا يزال أحد أبرز الحقول التي تعكس عدم المساواة بين الجنسين. ففي الماضي، كانت المرأة تُعامل كعنصر اقتصادي غير مستقل، حيث كانت تعتمد على الرجل لتحقيق متطلباتها المالية. لكن التحولات الاقتصادية في العقود الأخيرة، لا سيما في عالمنا العربي، شهدت تحركات كبيرة في هذا المجال، حيث أصبحت النساء يشكلن جزءًا لا يستهان به من القوى العاملة.

من الناحية الاقتصادية، تزايدت نسبة النساء اللاتي دخلن سوق العمل، وظهر العديد منهن في مجالات متنوعة مثل الطب، والتعليم، والأعمال، والهندسة. وبالرغم من التحديات التي لا تزال تواجهها المرأة في السوق، مثل فجوة الأجور وتحديات الترقية، فإن التغيير واضح. فاليوم، تُعتبر المساواة الاقتصادية جزءًا من البناء المجتمعي، وهناك مساعي حثيثة لتوفير فرص عمل متساوية. توماس بيكيتي في كتابه “رأس المال في القرن الواحد والعشرين” يؤكد أن المساواة في الفرص هي السبيل لتحقيق عدالة اقتصادية حقيقية في العالم المعاصر.

4. التحول الرقمي: الفرصة والتحدي
في العصر الرقمي، أصبحت التكنولوجيا أحد المحركات الأساسية التي تساهم في تمكين المرأة. فقد فتح الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة أمام المرأة الفرصة للمشاركة في الاقتصاد الرقمي، والتعليم عن بُعد، والعمل الحر، والمشاركة في مجال ريادة الأعمال الرقمية.

من خلال منصات مثل التجارة الإلكترونية، والعمل عن بُعد، والتسويق الرقمي، استطاعت المرأة أن تجد مساحة جديدة للإبداع والتعبير عن نفسها بعيدًا عن القيود التقليدية التي كانت تحد من خياراتها المهنية. إلا أن التحول الرقمي، رغم إيجابياته، يحمل تحدياته الخاصة، من بينها العنف الرقمي، التحرش الإلكتروني، والإقصاء الرقمي، حيث تواجه المرأة تحديات جديدة في السيطرة على هذا الفضاء وفرض وجودها فيه بشكل آمن. نانسي فريزر، في مقاربتها للفضاء العام البديل، ترى أن التكنولوجيا يمكن أن تخلق فضاءً حيويًا جديدًا يسمح للمرأة بالمشاركة بحرية، بشرط أن تكون هناك رقابة مجتمعية على الاستغلال الرقمي.

5. الحلول والاقتراحات: بناء مجتمع أكثر شمولًا
إن تمكين المرأة في هذا العصر يتطلب مجموعة من السياسات والإجراءات المترابطة التي تشمل جميع المجالات الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية. ومن أبرز الحلول التي يمكن أن تُسهم في هذا التمكين:

تطوير السياسات التعليمية: يجب أن تُدرَس قضايا الجندر بشكل نقدي في المدارس والجامعات من أجل توعية الأجيال الجديدة بأهمية المساواة بين الجنسين. يجب أن يكون التعليم أداة فعالة في تحطيم الصور النمطية حول أدوار المرأة.

تحقيق المساواة الاقتصادية: لا بد من تطوير سياسات اقتصادية تدعم مشاركة المرأة في سوق العمل. وهذا يشمل دعم المشاريع النسائية، وتوفير حوافز مالية للنساء العاملات في مجالات مختلفة، وتعزيز المساواة في الأجور بين الجنسين.

تشجيع الابتكار الرقمي: ضرورة توفير فرص تدريب رقمي للنساء في المجالات التقنية والاقتصاد الرقمي، وتوفير بيئات آمنة ومحفزة للتعلم والعمل الرقمي.

حماية حقوق المرأة: تعديل القوانين لضمان حماية المرأة في مكان العمل، والحفاظ على حقوقها في الزواج، والتملك، والميراث، وغيرها من الحقوق المدنية الأساسية.

إطلاق برامج دعم اجتماعي: برامج لدعم المرأة في مختلف جوانب حياتها، سواء كانت اقتصادية أو نفسية، بما يسهم في تمكينها من القيام بدور فعّال في المجتمع.

الخاتمة
إن تمكين المرأة في زمن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والرقمية ليس مجرد هدف يسعى لتحقيقه بعض الأفراد أو المؤسسات، بل هو مشروع مجتمعي طويل الأمد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور المجتمع ككل. المجتمعات التي تدرك أهمية هذا التمكين، وتعمل على إزالة الحواجز القانونية والاجتماعية والاقتصادية أمام المرأة، هي المجتمعات القادرة على بناء مستقبل أكثر عدالة وتوازنًا. التمكين لا يعني فقط منح الفرص، بل توفير بيئة تشريعية وثقافية تدعم الحق في الاختيار، وتُحطم القيود التي تحد من إبداع المرأة وإسهامها الفعّال في المجالات المختلفة. وفي هذا السياق، سيكون المجتمع المتساوي هو المجتمع الذي يحتفل بكل عضو من أفراده بغض النظر عن جندرهم، ويُقدر قدرتهم على المشاركة في البناء المشترك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى