وزير للمولدات
الشمال نيوز – عامر الشعار
وزير للمولدات
لم يعد للشعب دولة تحميه من دولة المولدات. أخلت الدولة قطاع الكهرباء، لأصحاب المولدات الخاصة منذ زمان بعيد. تخلت عن دورها، في حماية هذا القطاع. وأصبحت عاجزة أمام ما يفعله لصوص الكهرباء في الليل وفي النهار، لسرقة التيار. صارت المولدات الخاصة هي المكلفة بإنارة البلاد. لم تعد هذة المولدات، داعمة لقطاع الكهرباء في لبنان. دخل هذا القطاع حقا، في خدمة أصحاب المولدات. صارت شركة كهرباء لبنان، تشغل الخطوط فقط، لساعة أو ساعتين، كأنها تعدها للإيجار. كأنها تعدها للخصخصة. كأنها تعدها للبيع في سوق المزادات. صارت وزارة الكهرباء لوزير بلا كهرباء. وصارت دولة المولدات، لكهرباء بلاوزير للكهرباء.
تقدم أصحاب المولدات على الدولة. أخذوا تغذية الأحياء على عاتقهم لعشر ساعات فقط، وسرقوا من كهرباء لبنان، ساعة أو ساعتين، فصارت ساعات التغذية عندهم لثماني ساعات، أو لتسع ساعات. وجعلوا “الفوترة” مقطوعة، على عدد الأمبير.
لم يعد بإمكان أصحاب الدخل المحدود، أن يكون لهم كهرباء في البيوت، إلا لساعة واحدة في اليوم. وربما عدموا الكهرباء لأكثر من أيام. ولأكثر من أسابيع. صارت إنارة البيوت ب”الملايين”. وصار الحد الأدنى للأجور ب”الملاليم”. والدولة عاجزة عن التدخل. عاجزة عن فرض العدالة بين الناس في سوق الكهرباء. عاجزة عن المراقبة. عاجزة عن الحماية. صار أصحاب المولدات، هم الأقوى. وصار قطاع الكهرباء، حكرا على أصحاب المولدات. يستبدون بالسوق. يبتزون المشتركين. ودفعوا للمنافسة، لا بين الدولة وأصحاب المولدات، وإنما بين المواطنين. فصار القوي يأكل الضعيف. وصار من لا قدرة له على الإشتراك، ينسحب لجاره. حتى باتت فوضى الكهرباء، أعظم من “طيش الصبيان”. أو من “طيش العيال”.
وزير الطاقة يدعو أصحاب المولدات، لتركيب العدادات للمواطنين، فلا يجد أذنا صاغية. يقول إنه في صدد إتخاذ التدابير. ذهب وزير، وجاء وزير. والحال لم تتغير. وتضخمت الفواتير. وأما الوزير الجديد، فلا يجد نفسه، إلا أمام حملة الدبابير. يوقع القرارات. ويمضي في طلب المؤازرة من الهيئات. فلا نجد مؤازرة لتنفيذ القرار، ولا ما يحزنون.
يذهب الناس لمراجعة أصحاب المولدات كل شهر. يطلبون منهم الإصغاء لهم. يشكون لهم همهم. يطلبون من الذئب أن يرفق بالحملان. أن يرفق بالقطيع. فيرد أصحاب المولدات على الناس: إن الدولة لا تصغي إلينا. إن وزارة الطاقة لا تصغي إلينا، ولا حتى الوزير.
ما هذة الحالة الشاذة التي وقع فيها الناس على أبواب الشتاء، على أبواب المدارس. على أبواب الليل الطويل. بل لمن يتوجه المواطنون، لرفع شكايتهم، من ممارسة أعتى الظلم عليهم: تجارة أصحاب النفوذ بالطاقة والكهرباء، على حد سواء. أليس هناك في الدولة اللبنانية، أو في لبنان، من يستطيع أن ينبري لمعالجة هذا الموضوع مع لصوص الكهرباء. هل يحتاج الأمر إلى ثورة شعبية. هل يحتاج الأمر إلى إنتفاضة على الظلام.
بما يلهو أهل السلطة اليوم؟. بل ماذا يشغلهم عن إضاءة “لمبة”، يتيمة، للأطفال. عن إضاءة مصباح يتيم، للأجيال. عن منع الثورة تقرع أبواب شركة الكهرباء.
لبنان، بلد الإشعاع والنور هو اليوم يقطع الليالي الليلاء. يقطع الليالي الظلماء. كل ليلة يغور لبنان،من أقصاه إلى أقصاه، في العتمة أكثر من الليلة السابقة، حتى صار العالم يعده من أهل الكهوف. وأن أطفاله يخرجون من الكهوف. وأن أجياله، تتخرج من الكهوف. صارت ظلمة الكهف، علامة مميزة للبنان.
فليسمح لنا المسؤولون إذا، أن نقولها بالفم الملآن، ولا نبطل في قولنا هذا على أحد، ولا على طرف من الأطراف. لأزمة الكهرباء في لبنان: ثلاثة شركاء يفرضون العتمة ويستغلون الكهرباء: شركة الكهرباء وأصحاب المولدات، وأصحاب النوايا الخبيثة، الذين يريدون العودة بلبنان، إلى عصر الظلمات. فهل من ثورة على الجهل. هل من ثورة على العتم. هل من ثورة حتى تعيين وزير للمولدات، في صفة وزير للكهرباء، بكهرباء، لا من دون كهرباء!.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.