ثقافة وفنون

وزارة الحرامية

الشمال نيوز – عامر الشعار

وزارة الحرامية

كشفت أزمة المحروقات في لبنان المستور. عرت “الحرامية” في البلد. كشفت أزمة الكهرباء في لبنان ، المستور. عرت الحرامية في البلد. كشفت أزمة الدواء في لبنان المستور. عرت الحرامية. كشفت أزمة الرغيف في لبنان، المستور. عرت الحرامية. كشفت أزمة الماء في لبنان المستور، عرت الحرامية.
لم يعد الأمر ينطلي على أحد، بعد طوابير الذل، التي ضربت لبنان، من أقصاه إلى أقصاه. بعد أن لفت لبنان، كما يلتف الثعبان بذيله، على أعناق ضحاياه.
صار لبنان يحتاج إلى نقابة “غير شكل”. نقابة للحرامية. صار لبنان يحتاج إلى إدارة، “غير شكل”، إدارة الحرامية. صار لبنان يحتاج إلى وزارة”غير شكل”. “وزارة الحرامية”.
أسرعوا إلى المؤسسات العسكريةوالأمنية، وطالبوا بأسماء المؤسسين للتخزين وللتهريب. هؤلاء المؤسسون الفعليون لنقابة الحرامية.
إذهبوا إلى هذة المؤسسات، وخذوا منها أسماء المنتسبين الجدد، بعد فضائح التخزين. بعد فضائح التهريب. ساعدوهم على تنظيم إدارة السرقات. وإدارة الممنوعات. وإدارة هدر الطاقات. وإدارة التشبيح. وإدارة نهب المال العام. إدارة نهب الماء، هبة الله للبنان.
توسعوا في تنظيم نقابة الحرامية. إجعلوا لهم وزارة. همها نهب المال العام بعد نهب أموال المودعين. همها التهريب بعد التخزين. تعمل في إيجاد المخارج للنصب والإحتيال على القوانين.
وزارة للحرامية، نقابة للحرامية، إدارة للحرامية، نقابة للحرامية، لجان للحرامية، حاجة لبنان الأولوية.
فحتى لا يتعرض الناس للفوضى. حتى لا يتعرض البلد للفوضى. حتى يكون كل شيء بالنظام. إسهروا على تنظيم أعمال الحرامية. أوجدوا لهم محتسبا منهم أو أكثر من محتسب، بحسب الإختصاصات.
ما عاد اللبنانيون منذ ضربهم الجفاف، يذهبون إلا إلى السوق السوداء. هذا معلوم لدىالجميع. صار الضغط كله على السوق السوداء. دبت الفوضى. تكاثرت على الحرامية اللكمات. تكاثرت عليهم الإتهامات. صاروا يطالبون بنقابة لهم. بإدارة لهم بوزارة. وزارة للحرامية، لأجل تنظيم بيع المنهوبات. لأجل عقد الصفقات.
اللبنانيون يطالبون اليوم، بمثول شرائع الحرامية، أمام اللجان النيابية. يطالبون بتأسيس “لجنة الحرامية” في المجلس النيابي. مختصة، بتدبير أمورهم وأمور الناس، شرط أن تكون فاعلة، لا على غرار سائر اللجان.
يحال ملف التهريب إلى اللجنة. يحال ملف التخزين إلى اللجنة. يحال ملف النهب والتصريف إلى اللجنة. يحال ملف الماء. ملف الكهرباء. ملف البنزين. ملف المازوت. ملف الدواء. أمام لجان من أهل الإختصاص.ويكون لها عضوان أساسيان: الحرامي وشريكه. بل وشركاه “المدفرون” من عابري الحدود، بلا تصريح.
لا بأس أن تؤسس لجان أخرى مساندة لها، أو منشقة عنها، تنبثق عن لجنة الحرامية والمهربين والمخزنين. والمتهربين من الضوابط والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
لا بأس من تأسيس لجنة “فوق النخل”. فوق القوانين، إسمها لجنة الرشاوى والمرتشين. تتصل بها عن عمد، لجنة المحتكرين. ولجنة الشركات المختصين، بالإستيراد. وبالتصدير.
مثل هكذا لجان، يحتاجها لبنان. لأنه بان للجميع، أن الحكومة من رأسها، حتى فئة المستشارين، إنما تلتزم أمن التهريب. إنما تتعهد أمر التهريب أمام الأصدقاء، والأشقاء: البنزين والدولار. إنما تلتزم أمن عبور المسلحين، بلا تصاريح. إنما تلتزم أمن المعابر غير الشرعية: في البحر والبر. وكذلك أمن المسيرات. ودون ذلك لا يهم.
وزارة للحرامية في لبنان، لتنظيم ما هو غير شرعي، هذا هو الهم الجديد. فإذا لبنان، أمام تهريب مستدام. أمام تخزين مستدام. أمام رشاوى تصل الجميع بلا إستثناء. ويصير اللبنانيون جميعهم يرددون بلا حياء: عاش لبنان.
تقول بعثة إيرفد منذ الستينيات، إن إقتصاد لبنان يقوم على الخدمات. إن لبنان يقوم على الإقتصاد غير المنظور.
لم ينتبه المؤسسون، يومذاك، إلى الحرامية، الذين يجوفون الخزينة من الداخل. يقرضون المال العام مثل الجراذين.
بان لنا اليوم بعد نصف قرن، أن لبنان تأخر عن تأسيس وزارة للحرامية. هؤلاء المعششون في خزاناته المالية كلها بلا إستثناء.
لبنان اليوم، أمام نهب ماله العام. أمام تهريب الدولار المدعوم من كل الأشكال. أمام تهريب البنزين. أما إستجرار السلاح إلى الساح.
فهل يتحرك المجلس النيابي. هل يتحرك المشرعون، هل يتحرك المسؤولون، فيبادروا، إلى ضبط السوق السوداء. إلى ضبط التخزين والتهريب ومسائل العبور غير الشرعي، حتى لا تدب الفوضى، ونصبح أمام فوضى إفغانستان!

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى