مقالات مختارة

من وقاحة أورتاغوس إلى أريحية باراك

الشمال نيوز – عامر الشعار

من وقاحة أورتاغوس إلى أريحية باراك

عارف العبد – المدن

توم باراك (Getty)ظهر من كلامه وردود فعله أنه رجل ثاقب النظر

كان موفقاً الرئيس ميشال سليمان، بالموقف الذي أعلن عنه، بالكشف عن أنه سبق أن وقع خلال ولايته الرئاسية على معاملة استعادة توم جوزف بارّاك الموفد الرئاسي الأمريكي الحالي، لجنسيته اللبنانية هو وأولاده الثلاثة، إضافة إلى شقيقه جودي بارّاك.

فقد تبين أن الموفد الرئاسي الأميركي ليس مجرد وسيط عادي، موفد من رئيس أميركا الجديد والغريب الأطوار. فهو رجل أعمال بارز وناجح في بلاده، وتاجر مقتدر وصاحب صفقات عقارية ومثقف وصديق شخصي للرئيس الحالي دونالد ترامب. وهذه أيضاً قد تكون من حظوظ لبنان وإمكانياته الكبيرة، في أن يكون أحد أبرز الموفدين إليه محب له، وعلى صلة وثيقة بالرئيس الأميركي الحاكم الآن، والقادر على فرض معادلات وموازين قوى مستجدة.

 

توم باراك تبين أنه من أصول لبنانية تعود إلى مدينة زحلة، حيث هاجرت عائلته كما الكثير من العائلات المسيحية اللبنانية إلى الولايات المتحدة بداية القرن الماضي. وعائلة أجداد السفير براك كانت قد سكنت في حارة معروفة باسم “حارة الراسية” في زحلة، نسبة إلى سكن وانتقال مواطنين من منطقة راس بعلبك سابقاً إلى هذا الحي. كما أنه إضافة إلى استعادته وأولاده وشقيقه الجنسية اللبنانية، فإنه سبق أن زار لبنان والتقى بعض أفراد من عائلته في مسقط رأس أجداده.

هذا لا يعني أن الكلام الإيجابي والمرن الذي أطلقه الموفد الرئاسي الأميركي، خلال الأيام الماضية بعد الاجتماع إلى المسؤولين اللبنانيين، أنه شكل تراجعاً أميركياً عن الموقف تجاه لبنان، أو القضايا المطروحة في لبنان ومن أجله، أو أن للأمر علاقة بأصوله اللبنانية. المرونة الظاهرية والكلامية، لها علاقة بخبرته ودبلوماسيته ومعرفته الواسعة العملية والعلمية. فهو حائز على شهادة دكتوراه في القانون ولديه خبرة في التفاوض وعالم الأعمال والصفقات أو الاتفاقات الناجحة، وطريقة تعاطيه المرنة الباحثة عن حلول وليس زيادة المشكلات.

المقاربة والأحاديث التي أدلى بها باراك، دلت أنه الرجل المناسب في المكان المناسب وفي اللحظة المناسبة.

 

من حظوظ دول ومجتمعات، ومنها لبنان، أن تصادف في أزماتها رجالا حكماء.

على سبيل المثال فإن الموفد العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي، بسبب حكمته ووعيه وثقافته، استطاع خدمة لبنان خدمة كبيرة، حين أحسن إدارة ملفه يوم كلف بالتعاطي آنذاك مع الجنرال العصبي والعنيد والشبق للسلطة والتفرد، قائد الجيش المتمرد يومها، ميشال عون، ويوم أعلن نفسه حاكماً للبنان واستعصى في قصر بعبدا.

وقد يكون الموفد الرئاسي الأميركي الحالي توم باراك، أحد هذه الشخصيات المهمة والفريدة التي تتعاطى الآن مع لبنان وأزمته. فقد ظهر من كلامه وردود فعله والانطباعات السريعة التي كونها عن اللبنانيين، أنه رجل ثاقب النظر، صاحب خبرة و”عقله كبير”، مدرك بعمق لمشكلة لبنان، ومدرك في الوقت عينه لطرق الحل وسبل الحل الممكن راهناً. وهذا ما ظهر بسرعة في طريقة تعبيره وتعاطيه مع الرد اللبناني.

الموفد الأميركي اللبناني والزحلاوي الأصل، وكما يقال بالعامية “أخد اللبنانيين على قد عقلهم”. تماماً كما فعل يومها الأخضر الابراهيمي مع الجنرال الفريد من نوعه آنذاك، والذي كان تنكب الشر واعتمد الرفض والتدمير والتخريب.

 

دماثة وسعة صدر باراك ودبلوماسيته، شكلت النقيض الشكلي والفعلي، لما كانت عليه الموفدة الأميركية السابقة مورغان أورتاغوس، التي تحدثت وتصرفت أكثر من مرة بوقاحة وجلافة، حين زارت لبنان وقابلت المسؤولين فيه.

فالمعروف أن ملكة الجمال الأميركية السابقة، والناطقة الفاتنة باسم الخارجية الأميركية (هي من المؤيدين المزايدين والمتشددين إلى جانب إسرائيل والمعادين لإيران، وسبق أن اعتنقت الديانة اليهودية قبيل زواجها برجل أعمال أميركي يهودي).

وبالتالي، فإن كلامها وتصرفاتها عكست بجانب منها شخصيتها ومواقفها وقناعاتها، أكثر مما عكست قناعات أو طريقة تصرف دبلوماسيين أميركيين احترافيين أولاد مهنة أو مؤسسة حكومية.

 

من المهم معرفة، أن الذي جرى في لبنان خلال اليومين الماضيين، يتعلق بالأسلوب والمقاربة وطريقة التعاطي، من دون أن يعني ذلك أن الموقف الأميركي الجوهري قد تغير بالنسبة إلى لبنان.

الموقف الأميركي بالعمق، وكما عبر عنه باراك، في الاجتماعات والمحادثات ما زال كما كان، والمطلوب من الإدارة الحكومية اللبنانية، ما زال كما هو من بداية الطريق.

الأكيد أن سلاح حزب الله لم يعد له مكان في المعادلات المطروحة، وبالتالي، لم يسمح له بتكرار التجربة السابقة بالقول أو التظاهر أنه مع القرارات الدولية، علناً، وممارسة سياسة حفر الأنفاق وتعبئتها بالذخائر والأسلحة، والسير بسياسة شراء بعض الذمم من لبنانيين ودوليين!

 

شدد الموقف اللبناني على التمسك بالدستور والقانون وتنفيذ اتفاق الطائف، والتشدد في قمع المخالفين للقانون والمضي في عملية الإصلاح الداخلي، وتطوير العلاقات مع سوريا، وعلى ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وتعزيز سلطتها وإطارها، من دون أن يحدد جدولاً زمنياً أو إطاراً عملياً واضحاً متدرجاً لتنفيذ هذا التوجه.

المعروف أن لبنان، كان ولا يزال واقعاً بين حدين في المدة الأخيرة، حد قوى داخلية تدفع نحو التشدد والتطرف ولو الزائد والتدقيق المبالغ فيه، وحد آخر من محاولة التملص من تطبيق تفاهم وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه.

الرد اللبناني على الورقة الأميركية التي سبق لباراك أن حملها إلى لبنان، وما ظهر على سطح الأحداث من ليونة في كلام باراك، ليس إلا تغييراً طفيفاً بالشكل وطرق التعبير، أما في العمق فإن المعضلة لا تزال في مكانها.

على لبنان الاختيار بين المعالجة الجدية والتجاوب مع ما هو مطلوب منه، أو العودة إلى ميدان الحرب والحروب التدميرية المذلة المفتوحة.

 

باراك استخدم في أحاديثه جملة مكثفة ودالة تختصر الموضوع بكلمات قليلة، حين قال: “رئيسي شجاع حاسم، لكنّه لا يملك صبرًا طويلًا. إذا أراد لبنان الاستمرار في ركل “العلبة” إلى الأمام، فليفعل، لكنّنا لن نكون هنا في أيار نُكرّر هذا الحديث”.

فماذا سيختار لبنان، بدولته و”حزبه”؟ التجاوب مع ليونة باراك الحكيمة الواعية، وتنفيذ الخطوات المطلوبة؟ أم الوقوع مجدداً بين يدي السفاح نتنياهو؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى