أقاليم سوريا الجديدة تسابق أقاليم العراق الجديد!
الشمال نيوز – عامر الشعار
كتب علي شندب في عروبة 22
أقاليم سوريا الجديدة تسابق أقاليم العراق الجديد!
لم تزل تداعيات زلزال سوريا الذي أنهى حقبة حكم آل الأسد من جهة، وأخرج إيران وأذرعها منها، من جهة ثانية، ودفع حركات الإسلام الجهادي الى كرسي دمشق بوصفها العدو الدينولوجي للطرفين من جهة ثالثة، لم تزل، تتوالى فصولها، بما يشبه البراكين التي ما إن تخمد نيرانها، حتى تنقذف حمم تداعياتها من جديد، لتعيد تشكيل تضاريس المشهد السياسي بأبعاده الاجتماعية والطائفية والاقتصادية، فضلاً عن التموضعات الجيواستراتيجية التي خلّفها الزلزال بإخراج إيران ومن ثم حركات المقاومة الفلسطينية من سوريا، التي كانت واسطة العقد لمحور المقاومة الذي يمرّ بأكثر لحظات عمره حراجة وجودية، على أكثر من صعيد وفي غالبية الساحات.
صحيح أنّ النظام السوري السابق قد أكله التداعي والانهيار. لكنّ الصحيح أيضاً، أن حاكم سوريا الجديد احمد الشرع قد أكمل عملية التداعي والانهيار بإعلانه حلّ الجيش العربي السوري والأجهزة الأمنية، في إجراء بدا مقتبساً بحذافيره من قرار بول بريمر في حلّ الجيش العراقي ومؤسّسات العراق واداراته المختلفة. ليُعاد بنائهم على أسس جديدة لم تنتج جيشاً أو دولة بالمعنى العلمي للكلمة، بدليل الرياح الساخنة الوشيكة أن تلفح العراق الجديد بعيد الانتهاء من الحرب ضد اليمن والحوثيين، وبما ستفرزه المفاوضات الأمريكية الايرانية عندما تضع أحمالها.
وعلى خطى احتلال العراق، فخلال الأزمة السورية، تمّ تفجير جميع التناقضات المجتمعية والعرقية والاثنية والطائفية، التي انخرطت كل من خلفيتها في مواجهة دامية مع النظام السوري، ما أدى الى سقوطه وتفكيكه بالطريقة التي أرادها “المخرج”. إنه المخرج الذي كانت له رؤيته الشاملة تجاه إعادة تركيب سوريا الجديدة ومؤسّساتها المختلفة، وفق مبدأ الأقاليم المحاكي لـ”قانون الكونغرس لتقسيم العراق عام 2007، ما أدّى الى بروز التباينات العميقة بين المكوّنات العرقية والمذهبية والقومية، وبين القيادة السورية الجديدة.
تباينات، تمسّ بصورة سوريا السابقة وموقعها، وتتجاوز بكثير المطالب بإسقاط النظام وإصلاحه. تباينات، تنال من مكانة سوريا كدولة محورية في المنطقة كانت لاعباً إقليمياً بارزاً، وباتت ملعباً لقوى إقليمية ودولية بارزة. وبدا من سياقات التطورات والأدبيات السياسية الجديدة الخاصة بكل مكون ومطالبه، أنّ هناك لغات سياسية جديدة ملأت فراغ وهشاشة اللغة السياسية الواحدة.
ويعتبر انعقاد “مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي” الذي عقد في القامشلي بمثابة نقطة تحوّل مفصلية في حياة الأكراد السياسية ونضالهم باتجاه بناء الدولة الكردية. وللدلالة على أهمية الحدث الكردي جاءت مشاركة الأحزاب الكردية العراقية والتركية، إضافة للمبعوث الأمريكي سكوت بولز، ووفد من قيادة التحالف الدولي ضد “داعش”.
والى الشكل الذي حكم المؤتمر وأدبياته، فقد جاء بيانه الختامي معبراً عمّا يطلبه الأكراد من ضمان الدستور لحقوق كافة المكونات السورية، الى ضرورة أن يكون النظام السياسي برلمانيا، ويعتمد التعددية السياسية، وأن تكون سوريا دولة لا مركزية مع توزيع عادل للسلطة والثروة، وحيادية الدولة تجاه الأديان، وأن يعبر اسم الدولة وعلمها ونشيدها عن التعدّد القومي والثقافي للمجتمع السوري، مع ما يعنيه هذا البند من تغيير جوهري في بنية وشكل الدولة السورية من وجهة النظر الكردية، ما يعني تغييراً للعلم، وشطباً للهوية العربية من الاسم الرسمي للدولة، وأن تتضمن بطاقات الهوية وجوازات السفر اللغة الكردية، التي طالب المؤتمر باعتمادها لغة رسمية الى جانب اللغة العربية.
وإذ سارعت الرئاسة السورية للتعبير عن “رفضها بشكل واضح أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”، فقد أكدت على أن “وحدة سوريا أرضاً وشعباً خط أحمر، وأي تجاوز لذلك يُعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سوريا الجامعة”.
بيان الرئاسة السورية الغني عن الشرح والتمحيص، يقرّ بوضوح أنّ المساس بوحدة سوريا وهويتها جار على قدم وساق. وأنّ خطوة الأكراد المتقدمة ربما تجد لها أصداء في السويداء حيث رفع بعض مرجعيات المكون الدرزي مطلبهم في المشاركة في الدولة من “راسها الى ساسها”، دون التقليل من خطورة التدخل الاسرائيلي تحت شعار حماية الأقليات، مع ما يعنيه ذلك من محاولات اسرائيلية خبيثة لتفكيك بنية المجتمع السوري، كاستكمال ممنهج لعملية تفكيك الدولة السورية وجغرافيتها.
وتوازياً مع اعلان البيان الختامي للمؤتمر الكردي، كان لافتاً إنزال مصطلح “إقليم الساحل السوري” في سوق التداول الإعلامي والسياسي. إنّه “الاقليم” الذي رفع لواءه “ثنائي مالي، عسكري” مكوّن من رجل المال والأعمال رامي مخلوف واللواء سهيل الحسن المعروف بـ “النمر”، وهو الثنائي الذي كان يشكل ذراعي بشّار الأسد المالي والعسكري.
وفي بيان أصدره مخلوف، وتحدث فيه عن “ظلم النظام السابق، وعن ذبح النظام الجديد”، بدا “إقليم الساحل السوري” وكأنّه يدبّ على الأرض. وتحدث مخلوف، عن تشكيل عدة فرق عسكرية من القوّات الخاصة بتعداد مائة وخمسين ألف جندي، ومثلها احتياطياً من القوات الشعبية. وعن تشكيل لجان شعبية مكوّنة من مليون شخص. ولإعطاء “الإقليم” بعده الدولي أشار مخلوف الى دور روسيا المحوري تجاه الساحل السوري، خاصة بعد وجود تقارير تتحدّث عن توقيع القيادة الروسية في حميميم وطرطوس لعقود مع ضباط من الجيش السابق دون معرفة الأسباب والدوافع، مع التنويه الى حراك عسكري روسي ميداني مستجد في اللاذقية وطرطوس وجبلة، وعن تصدي المروحيات والدفاعات الروسية لمُسيّرات تستهدف القواعد الروسية.
ما تقدّم يشي بأن المنطقة حبلى، خصوصاً في ضوء المناخات غير السلبية عن المفاوضات النووية الأمريكية الايرانية، وسعي بنيامين نتنياهو بكل الطرق الى محاولات تفخيخها وتفجيرها، وفق رفض دونالد ترامب محاولات نتنياهو جرّه اليها. ولعلّ الغارة الاسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية تأتي في هذا السياق الهادف لاستدراج حزب الله الى حرب جديدة أو تكثيف الضغوط عليه لنزع سلاحه بالقوة، وهو السلاح الذي ترفض حماس نزعه ضمن شروط صفقة التفاوض على وقف اطلاق النار في غزّة.
https://ourouba22.com/article/5640
أقاليم سوريا الجديدة تسابق أقاليم العراق الجديد!
علي شندب
لم تزل تداعيات زلزال سوريا الذي أنهى حقبة حكم آل الأسد من جهة، وأخرج إيران وأذرعها منها، من جهة ثانية، ودفع حركات الإسلام الجهادي الى كرسي دمشق بوصفها العدو الدينولوجي للطرفين من جهة ثالثة، لم تزل، تتوالى فصولها، بما يشبه البراكين التي ما إن تخمد نيرانها، حتى تنقذف حمم تداعياتها من جديد، لتعيد تشكيل تضاريس المشهد السياسي بأبعاده الاجتماعية والطائفية والاقتصادية، فضلاً عن التموضعات الجيواستراتيجية التي خلّفها الزلزال بإخراج إيران ومن ثم حركات المقاومة الفلسطينية من سوريا، التي كانت واسطة العقد لمحور المقاومة الذي يمرّ بأكثر لحظات عمره حراجة وجودية، على أكثر من صعيد وفي غالبية الساحات.
صحيح أنّ النظام السوري السابق قد أكله التداعي والانهيار. لكنّ الصحيح أيضاً، أن حاكم سوريا الجديد احمد الشرع قد أكمل عملية التداعي والانهيار بإعلانه حلّ الجيش العربي السوري والأجهزة الأمنية، في إجراء بدا مقتبساً بحذافيره من قرار بول بريمر في حلّ الجيش العراقي ومؤسّسات العراق واداراته المختلفة. ليُعاد بنائهم على أسس جديدة لم تنتج جيشاً أو دولة بالمعنى العلمي للكلمة، بدليل الرياح الساخنة الوشيكة أن تلفح العراق الجديد بعيد الانتهاء من الحرب ضد اليمن والحوثيين، وبما ستفرزه المفاوضات الأمريكية الايرانية عندما تضع أحمالها.
وعلى خطى احتلال العراق، فخلال الأزمة السورية، تمّ تفجير جميع التناقضات المجتمعية والعرقية والاثنية والطائفية، التي انخرطت كل من خلفيتها في مواجهة دامية مع النظام السوري، ما أدى الى سقوطه وتفكيكه بالطريقة التي أرادها “المخرج”. إنه المخرج الذي كانت له رؤيته الشاملة تجاه إعادة تركيب سوريا الجديدة ومؤسّساتها المختلفة، وفق مبدأ الأقاليم المحاكي لـ”قانون الكونغرس لتقسيم العراق عام 2007، ما أدّى الى بروز التباينات العميقة بين المكوّنات العرقية والمذهبية والقومية، وبين القيادة السورية الجديدة.
تباينات، تمسّ بصورة سوريا السابقة وموقعها، وتتجاوز بكثير المطالب بإسقاط النظام وإصلاحه. تباينات، تنال من مكانة سوريا كدولة محورية في المنطقة كانت لاعباً إقليمياً بارزاً، وباتت ملعباً لقوى إقليمية ودولية بارزة. وبدا من سياقات التطورات والأدبيات السياسية الجديدة الخاصة بكل مكون ومطالبه، أنّ هناك لغات سياسية جديدة ملأت فراغ وهشاشة اللغة السياسية الواحدة.
ويعتبر انعقاد “مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي” الذي عقد في القامشلي بمثابة نقطة تحوّل مفصلية في حياة الأكراد السياسية ونضالهم باتجاه بناء الدولة الكردية. وللدلالة على أهمية الحدث الكردي جاءت مشاركة الأحزاب الكردية العراقية والتركية، إضافة للمبعوث الأمريكي سكوت بولز، ووفد من قيادة التحالف الدولي ضد “داعش”.
والى الشكل الذي حكم المؤتمر وأدبياته، فقد جاء بيانه الختامي معبراً عمّا يطلبه الأكراد من ضمان الدستور لحقوق كافة المكونات السورية، الى ضرورة أن يكون النظام السياسي برلمانيا، ويعتمد التعددية السياسية، وأن تكون سوريا دولة لا مركزية مع توزيع عادل للسلطة والثروة، وحيادية الدولة تجاه الأديان، وأن يعبر اسم الدولة وعلمها ونشيدها عن التعدّد القومي والثقافي للمجتمع السوري، مع ما يعنيه هذا البند من تغيير جوهري في بنية وشكل الدولة السورية من وجهة النظر الكردية، ما يعني تغييراً للعلم، وشطباً للهوية العربية من الاسم الرسمي للدولة، وأن تتضمن بطاقات الهوية وجوازات السفر اللغة الكردية، التي طالب المؤتمر باعتمادها لغة رسمية الى جانب اللغة العربية.
وإذ سارعت الرئاسة السورية للتعبير عن “رفضها بشكل واضح أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”، فقد أكدت على أن “وحدة سوريا أرضاً وشعباً خط أحمر، وأي تجاوز لذلك يُعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سوريا الجامعة”.
بيان الرئاسة السورية الغني عن الشرح والتمحيص، يقرّ بوضوح أنّ المساس بوحدة سوريا وهويتها جار على قدم وساق. وأنّ خطوة الأكراد المتقدمة ربما تجد لها أصداء في السويداء حيث رفع بعض مرجعيات المكون الدرزي مطلبهم في المشاركة في الدولة من “راسها الى ساسها”، دون التقليل من خطورة التدخل الاسرائيلي تحت شعار حماية الأقليات، مع ما يعنيه ذلك من محاولات اسرائيلية خبيثة لتفكيك بنية المجتمع السوري، كاستكمال ممنهج لعملية تفكيك الدولة السورية وجغرافيتها.
وتوازياً مع اعلان البيان الختامي للمؤتمر الكردي، كان لافتاً إنزال مصطلح “إقليم الساحل السوري” في سوق التداول الإعلامي والسياسي. إنّه “الاقليم” الذي رفع لواءه “ثنائي مالي، عسكري” مكوّن من رجل المال والأعمال رامي مخلوف واللواء سهيل الحسن المعروف بـ “النمر”، وهو الثنائي الذي كان يشكل ذراعي بشّار الأسد المالي والعسكري.
وفي بيان أصدره مخلوف، وتحدث فيه عن “ظلم النظام السابق، وعن ذبح النظام الجديد”، بدا “إقليم الساحل السوري” وكأنّه يدبّ على الأرض. وتحدث مخلوف، عن تشكيل عدة فرق عسكرية من القوّات الخاصة بتعداد مائة وخمسين ألف جندي، ومثلها احتياطياً من القوات الشعبية. وعن تشكيل لجان شعبية مكوّنة من مليون شخص. ولإعطاء “الإقليم” بعده الدولي أشار مخلوف الى دور روسيا المحوري تجاه الساحل السوري، خاصة بعد وجود تقارير تتحدّث عن توقيع القيادة الروسية في حميميم وطرطوس لعقود مع ضباط من الجيش السابق دون معرفة الأسباب والدوافع، مع التنويه الى حراك عسكري روسي ميداني مستجد في اللاذقية وطرطوس وجبلة، وعن تصدي المروحيات والدفاعات الروسية لمُسيّرات تستهدف القواعد الروسية.
ما تقدّم يشي بأن المنطقة حبلى، خصوصاً في ضوء المناخات غير السلبية عن المفاوضات النووية الأمريكية الايرانية، وسعي بنيامين نتنياهو بكل الطرق الى محاولات تفخيخها وتفجيرها، وفق رفض دونالد ترامب محاولات نتنياهو جرّه اليها. ولعلّ الغارة الاسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية تأتي في هذا السياق الهادف لاستدراج حزب الله الى حرب جديدة أو تكثيف الضغوط عليه لنزع سلاحه بالقوة، وهو السلاح الذي ترفض حماس نزعه ضمن شروط صفقة التفاوض على وقف اطلاق النار في غزّة.
https://ourouba22.com/article/5640