حزب الله من الانكار الى الانكار ..!!
الشمال نيوز – عامر الشعار
كتب عارف العبد – المدن
من المتعارف عليه، في مجال الطب النفسي، أن أولى خطوات بدء مسيرة التعافي للمرضى النفسيين، هو عبر خطوة أولى أساسية، وهي اقتناع المريض أو صاحب الحالة النفسية المعينة، أنه مصاب بمشكلة أو حالة مرض نفسي وبحاجة إلى العلاج.
بمعنى أن الاعتراف والاقتناع بالمرض والمشكلة، هو بداية طريق الخلاص. وقد أثبتت التجارب في هذا المضمار أن عدم الاقتناع بالمرض والقبول به، يعقد الأمور أمام صاحبه، ويعدم فرص النجاة أمام المريض، الذي قد تتفاقم حالته ومرضه ويدخل في دوامة مغلقة.
العديد من الحجج، التي يسوقها حزب الله، في مواجهة بعض خصومه، في لبنان، هي حجج في كثير منها صحيحة وقوية. وخصوصا تلك التي تطالب بإلزام إسرائيل بخطوات تشير إلى الاستعداد لتثبيت وقف النار، وتؤكد على الالتزام به. فإسرائيل تفاوضت على اتفاق أو تفاهم لوقف الأعمال العدائية، ووافق عليه الحزب عبر الرئيس نبيه بري، ولكنها لم تلتزم من جانبها بأي شرط من شروطه.
إسرائيل تطالب لبنان بوقف الأعمال العدائية وعدم استخدام السلاح أو إعادة بناء القدرات العسكرية، ولكنها في الوقت عينه، تمارس كل صنوف الخرق والاعتداء والتعدي العسكري والحربي على لبنان من مختلف النواحي. وتطورات الساعات الماضية خير دليل.
حزب الله، الذي خسر المواجهة الأخيرة، وأصيب بنكسات وضربات موجعة وخسارات فادحة وكبيرة وقوية، يرفض الاعتراف بالنتائج، ويمانع بالقبول بالوقائع، ويتمسك بموقفه المصر على النصر. وهنا المشكلة. فالحزب محق وهو يطالب بإلزام إسرائيل بوقف النار. يتهرب من الواقع الراهن وينتقل من حالة إنكار إلى حالة إنكار أخرى متمادية.
أفدح ما وقع فيه حزب الله، ليس الخسارة العسكرية وفقدان التفوق والمبادرة، بل المكابرة وإنكار الواقع، والاستمرار بهذه الوضعية، والمراوحة والمزايدة والاستنقاع في هذه الحالة. الغريب أنه لا يزال متمسكاً، بأسلوب الفرض من فوق والتعدي والاستفزاز والتسلط على إرادة اللبنانيين، حتى لو أدى ذلك إلى كارثة محققة كما هو ظاهر وآتٍ.
برزت خلال الأيام الماضية، أحداث ومواقف دالة، تؤشر إلى عمق مأزق الحزب مع نفسه وجمهوره ومناصريه، ومع بقية المكونات اللبنانية، وضرورة الانتباه منها ولها. إلا أن الحزب رفض ويرفض حتى الأن، الاعتراف والقبول بما هو جار، وبضرورة وقف توجهاته وتصرفاته وتعديلها أو الإقلاع عنها.
أول علائم الاستمرار في المأزق، هو استمرار تكرار خطاب النصر والتفوق والمراوحة في ادعاء خسارة إسرائيل، وقرب سقوطها، كما جاء في خطاب أمينه العام الأخير.
في الدلائل على هذه المراوحة القاتلة وحالة الانكار الفاضحة، قراره لمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد أمينيه العامين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، بوضع صورتيهما على صخرة الروشة، من دون التوقف أو التفكير مسبقاً بدلالات وانعكاسات ونتائج هذا القرار على رمزيته. مما تسبب له بحملة استنكار ورفض عارمة عابرة للطوائف والمذاهب والأطراف والمناطق.
لم ينتبه حزب الله، أو إنه انتبه وأراد ذلك، بأن يستثير حنق أغلب اللبنانيين واستفزازهم، بالرغم من أن ذلك يساهم في زيادة عزلته وكرهه وابتعاد الجمهور اللبناني عنه.
بالأساس، إن إدخال لبنان في حرب الإسناد، تم من دون موافقة أغلب اللبنانيين، كما وقد أتت نتائجها الكارثية لتزيد في البعد والابتعاد والافتراق عنه وعن محيطه وبيئته.
لم يفكر أو أنه لا يريد أن يعلم، أن صخرة الروشة مثلاً، هي رمز ومعلم لبناني وطني جامع، ليس لطرف بعينه بل لكل اللبنانيين، وأن شهيديه يمثلان طرفاً معادياً للآخرين، ولديه مشكلات مع قسم كبير من اللبنانيين؟ وإنه بهذه الحالة وهذا الأسلوب يضعف معاني استشهادهما ويدخلهما كرمزين، في سجالات الأزقة الضيقة والأحقاد اللبنانية، وفي الزواريب السياسية ، بدل إبعادهما عن السجال والتناول.
لنفترض أن حزب الكتائب، قرر وضع صورة بشير الجميل الأسبوع الماضي، على قلعة بعلبك، كما ردد كثر، وهو رئيس لبناني منتخب، ماذا سيكون رد فعل باقي اللبنانيين وأهالي المدينة؟ ولنفترض أن الحزب التقدمي الاشتراكي قرر تعليق صور كمال جنبلاط على شجر الأرز في بشري، ماذا سيكون رد الفعل؟ والنتيجة؟
حزب الله بقراره بخصوص صخرة الروشة، يدل أنه منفصل عن واقع اللبنانيين وتوجهاتهم انفصالاً تاماً. هو في دنيا، وهم في دنيا مختلفة.
أخطر ما ظهر من حزب الله ليس فقط محاولة الدفاع عن نفسه، بل في تجاهله بشكل تام أسباب الخسارة والتراجع، وتجاهله المكاشفة والصراحة، مع جمهوره واللبنانيين.
لم يخبر حزب الله الشعب اللبناني والرأي العام، وبيئته بشكل خاص، كيف حدثت مجزرة البيجر؟ ومن هو المسؤول عنها؟ وأين نتائج التحقيقات في الأمر؟ ومن كان المسؤول والمُخترق؟ وكيف نجحت إسرائيل، في تحقيق هذه الضربة المدوية غير المسبوقة؟ وهل تمت المحاسبة؟ وكيف ولماذا وقعت هذه الكارثة؟
ولم يخبرنا حزب الله، كيف تمكنت إسرائيل من اغتيال الأمينين العامين نصرالله وصفي الدين؟ وباقي القادة والكوادر؟
لم يكن عابراً ولا بسيطاً، الكلام الذي صدر عن أمين عام التنظيم الشعبي الناصري، النائب عن مدينة صيدا حليف الحزب، الدكتور أسامة سعد في احتفال ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، في المهرجان الذي أقيم في ساحة الشهداء في صيدا، حيث اعتبر ان مقاومة اسرائيل باتت طائفية ومذهبية، فيما كانت وطنية جامعة تضم وتشمل كل الأطراف وساهمت مساهمات أساسية في تحرير الأرض المحتلة.
فهل يلتقط الحزب هذه الإشارات الدالة، ويخرج من حالة الإنكار إلى المكاشفة والمعالجة، أم أن لبنان ما زال بانتظار مآس آتية ومصائب معدة؟ ومشكلات متعددة