مقالات مختارة

من حصر السلام بيد ايران الى حصر السلاح بيد الدولة

الشمال نيوز – عامر الشعار

عارف العبد – المدن

في كتابه المعنون: “التحالف السوري الإيراني والمنطقة”، يشرح نائب الرئيس السوري الراحل عبد الحليم خدام الخلفيات والمنطلقات والظروف التي أدت إلى التقارب والتحالف بين سوريا وإيران آية الله الخميني، وما كان يجمعهما ويقربهما وكيفية تطور العَلاقة بين الطرفين.

 الأساس كان ظروف المنطقة وتحولاتها، حيث ذهبت مصر باتجاه كامب ديفيد، فيما كان يمسك برأس السلطة المجاورة، أي في العراق، الخَصْم البعثي اللدود صدام حسين. فكان التقرب من إيران فرصة للنجاة من الكماشة المصرية العراقية.

يشرح خدام ويعرض في كتابه، كيف تم تأسيس حزب الله في لبنان، وكيف كان ينظر النظام السوري إلى الحزب وباقي القِوَى السياسية اللبنانية، في تلك الفترة، ويكشف خدام أن الرئيس حافظ الأسد كان الوحيد في القيادة السورية السابقة الذي كان يميل إلى حزب الله ويؤيد دعمه. إذ إن باقي أعضاء القيادة السورية حسب رواية خدام، كانوا يعتبرون حزب الله قوة حزبية مذهبية وطائفية، لهذا كانوا يميلون إلى دعم أحزاب وقوى أخرى ومنهم حركة أمل.

 وبالتالي فإن العَلاقة التي رفدت ودعمت حزب الله من النظام السوري السابق كانت بدفع وترجيح من حافظ الأسد وحده، الذي كان يرى في الحزب الأداة الأكثر فاعلية في مواجهة إسرائيل.

في المحصلة، تم حصر وتخصيص حزب الله بأعمال مقاومة إسرائيل، وقد كلف يومها اللواء غازي كنعان بتنفيذ هذه التوجهات وحماية حزب الله في أعماله وحده وحماية دوره في هذا الاتجاه وبهذا الاختصاص في العمليات ضد إسرائيل، ومنع القوى السياسية والوطنية الأخرى من ممارسة أعمال المقاومة، وقد تمت معاقبة من يحاول الخروج عن هذا التوجه والأمثلة كثيرة على هذا التوجه وهذه الممارسة.

عملياً، تم حصر استخدام السلاح في مواجهة إسرائيل بيد حزب الله، المدعوم والمؤسس من قبل إيران. وقد تبين أن إيران انفردت بالإشراف وتوجيه كل العمل المسلح من قبل حزب الله في لبنان مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح السورية في تقاطعات ومفارق حساسة كمثل أخذ بعض مبادرات السلام الدولية بعين الاعتبار إذا ما كانت توافق مصالح حافظ الأسد أو تروق له.

عمليًا دعمت إيران وسوريا الأسد، حزب الله في أعمال المقاومة في وجه إسرائيل، ويوم انسحبت إسرائيل من الجنوب بفعل ضربات وعمليات حزب الله، منعت قوى سياسية حاولت عدم الالتزام بهذا القرار والتمرد عليه، أما قصص وأحداث التصفيات بحق القِوَى والمجموعات التي لم تلتزم بالتوجهات السورية الإيرانية، معروفة ومتداولة ومنتشرة بين المتابعين لهذا الجانب.

في هذه الأثناء مُنعت الدولة اللبنانية، من أن تفكر في بسط سلطتها في الجنوب، الذي ترك ساحة للنفوذ السوري الإيراني تحت شعار ترك الحدود مفتوحة لمقاومة إسرائيل، فيما كان الهدف تحسين شروط وموقع النظامين السوري والإيراني على الساحتين الإقليمية والدولية.

والكل يذكر تفاخر قائد الجيش إميل لحود أنه أحبط محاولة رفيق الحريري، إدخال الجيش إلى الجنوب و”إسقاط المؤامرة الأمريكية على لبنان”! 

كانت العلاقة مع إيران، أيام حياة حافظ الأب مضبوطة وفقا للأجندة والمصالح السورية. ولرؤية الأب وميزانه المصلحي الدقيق، بمعنى أنه كان يحقق مصالح سورية، ورؤيته من دون طغيان الإرادة الإيرانية، حتى لو كلف سوريا الأمر لي ذراع إيران في بعض الأماكن وإيلامها وإزعاجها لو أراد. 

وقد كانت “حادثة ثُكْنَة فتح الله” الشهيرة دليلًا على الحدود التي رسمها النظام السوري لإيران وحزب الله في لبنان آنذاك.

نقطة الفصل والتطور في عمل حزب الله وعملية حصر السلاح بيده، وتالياً بيد إيران، تمت وتطورت بعد وفاة حافظ الأسد، حيث فرغت الساحة للحزب وإيران بتوسيع وتعميق العلاقة مع نظام أل الأسد بعد أن وصل إلى سدة الرئاسة ولده بشار طبيب العيون الذي لم يكن مؤهلًا ولم يكتمل تدريبه إثر مقتل من كان مؤهلًا، ومعدًا، أي شقيقه، النجل الأكبر باسل.

الجدير بالذكر أن هذه النقطة المفصلية، أو المرحلة، انطلقت بعد أن كان نجح حزب الله، في تصدر المقاومة المسلحة، وتحقيقه تحرير الجنوب عام 2000.

هنا، انطلاقاً من هذه النقطة، باتت الكلمة المسموعة في لبنان وسوريا هي لحزب الله المنتصر على إسرائيل وبالتالي لإيران.

عمليا حُصر السلاح المواجه لإسرائيل، بيد حزب الله، ومن ثم بيد إيران، التي بات لها الدور الكبير والمتقدم في التأثير في هذا السياق، إن في لبنان أو سوريا. 

 المفارقة، التي لا بد من التوقف عندها، أنه في هذه اللحظة، وفي هذا التقاطع السياسي، تمت عملية اغتيال رفيق الحريري وتصفية باقي رفاقه المتمردين على الإرادة السورية الإيرانية في لبنان.  

هذه العملية، أو هذا التوجه، استكمل بقرارين خطيرين وحساسين، أقدم عليهما حزب الله، من دون التوقف أو مسايرة أحد أو اخذ مصالح لبنان الوطنية الشاملة والعامة بعين الاعتبار:

الأول: كان القرار الإيراني بدفع الحزب لتجاوز الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل عام 2006، وتنفيذ عملية اختطاف الجنود الإسرائيليين (الوعد الصادق)، مع العلم أن هذه الخطوة ستفجر حرباً ومواجهة واسعة، كانت إيران بحاجة إليها في مفاوضاتها مع أمريكا.

الثاني: تمثل بقرار استثمار الانتصار والتفوق، عبر تحويل وجهة البندقية المقاومة، بدل أن تكون باتجاه الاحتلال الإسرائيلي إلى الداخل اللبناني، وقد تمثل ذلك في غزوة السابع من أيار 2008 للقبض على السلطة وقرارها بشكل مباشر.

الذي جرى بين 2008 و2023 حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول موعد انطلاق عملية طوفان الأقصى، هو أن إيران عبر حزب الله، أمسكا بناصية القرار في لبنان في كل الاتجاهات وعلى مختلف المستويات العسكرية والسياسية.

الوقائع التي تدل على ذلك كثيرة، من إسقاط حكومة سعد الحريري، إلى انتخاب ميشال عون رئيسًا بالرغم من كل المعارضات والتنبيهات وما تبعه، إلى انهيار منصة وصيغة لبنان الاقتصادية والمالية والسياسية. ويمكن ضم انفجار وزلزال مرفأ بيروت إلى هذا السياق. 

الراهن أن لبنان والمنطقة دخلتا بعد ذلك مرحلة جديدة، تتصل بنتائج المواجهة والحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي أثبتت تفوقاً على كل من إيران وحزب الله.

انطلاقًا من ذلك بدأت مرحلة جديدة، بكل تداعياتها ونتائجها التي سترسم موازين قوى إلى أمد مستقبلي.

بمعنى آخر، فقد سقطت وانهارت مرحلة حصر السلاح بيد إيران وسوريا الأسد، في كل الاتجاهات والمرتكزات، وبدأت مرحلة حصر السلاح بيد الدولة المرعية والمحمية من الولايات المتحدة الأمريكية ربيبتها إسرائيل المتفوقة وصاحبة اليد العليا في المنطقة.

فهل ستتمكن أمريكا من تثبيت انتصارها وتفوقها، أم أن إيران ستتمكن، من استغلال الثغرات للعودة إلى تعويض ما خسرته وأطيح به..؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى