تفتح الورد

الشمال نيوز – عامر الشعار
تفتح الورد
“كل كنوز العالم، لا تساوي دمعة طفل”. كلمات قليلة، بحجم البحار والجبال والوديان. كلمات قليلة، بحجم الأرض.
همسها أندريه بريتون، في أذن العالم، في أذن الأرض. ثم مشى!.
من ينظر إلى الطفلة الرضيعة، إبنة “مزبود”، من الإقليم في “الشوف”: جوري السيد(أحد عشر شهرا)، وهي تتكئ بين يدي أمها، أمام إحدى مستشفيات المنطقة، يرى كيف يكون تفتح الورد، قبل الذبول، على أسيجة إحدى الجنائن، في تلك القرية “مزبود”، التي تعشق البحر.
فجأة جف السحر، وجفت قطرات الندى. لم تجد “جوري”، حبيبة ندى واحدة، حبيبة دواء واحدة، تبل بها ريقتها، تبل بها وريقتها، كما عادتها، مع هبوط السحر.
مضى أهلها يزرعون الجهات الست، يتسلقون العلالي، يسائلون ويسألون، عن حبيبة دواء واحدة. عن حبيبة شفاء. قالوا: إن الدواء “رهينة” أيضا، في سوق السياسة حتى تشكيل الحكومة!.
مضى والد “جوري”، يسأل الأبواب، ذات السقوف الواطئة، وذات السقوف العالية، يفك الرقاب، يفك التمائم، “يدفع، بالتي هي أحسن،” لأجل حبة دواء، لأجل قطرة ندى، يبل بها، عروق الوردة الذابلة.
سجف الليل، هبطت دفعة واحدة على لبنان. صار البلد الرخص. صار الوطن الرخص غريق الظلام. أسير المفاوضات القاتلة.
لم يعد ينتظر السحر. صارت أقصى أمنياته، أن ينتظر من ليله، بلوغ “الهزيع الأخير”.
صارت أسيجة الورد، فوق جنائن “مزبود”، تذرف الدمع. تقطر الدم. بعدما أمضت دهرها، تقطر ندى الشهد، فيزكو بعسيلاتها أريج الزمن. ينعش قلب زهرة أو وردة، أو لوزة، تمنع عن “الجوري” الذبول.
بكى والد “جوري”، على كتف السياج. حمل بين يديه طفلته. تشهق خلف حبة دواء. نشفت ريقتها، وهي تنظر إلى الحوزي، يجرر عربة مهترئة، يريد الوصول إلى محطته الثانية. يضرب على ساقيه، يعض شفاهه، يأكل بعضه بعضا. يريد فصلا جديدا. يريد ربيعا جديدا، وينسى أن الزمن، دشن مع “جوري”، عصر الذبول.
يحبسون الندى، عن قلب “جوري”. يأخذون الغيوم أسارى. يغتالون دموع طفلة على خديها. ثم يقيمون المآتم والمآدب. يقولون أنهم غيارى على موت أطفال، يشتهون الحليب.
بلاد تحطم الموج على صخرها. تكسر الموج على عتباتها. بلاد تفقش الموج زنابق على أبوابها، ولا تجد جرعة واحدة من حليب الزنابق، لأطفالها.
“جودي”، أول طفلة نزعت، عن سياج المدينة. كل شهامة. كل كرامة. كل عزة كل سيادة. نزعت عن سياج المدينة، ياقة البطولات، في عصر الصراع، على دنيا فانية.
نازعت نفسها، حبة دواء واحدة، فلم تعثر عليها، لافي القصور. ولا في الوزارت. ولا في المجالس. ولا في الحكومات البائنة.
نازعتها نفسها، أن تسيل منها الروح في بنوك الدموع، علها تجعل منها لؤلؤة، لمحار البحر. تنقشها على خد يوم قريب.
صبيحة “تفتح الورد”، على أسيجة المدينة الهالكة، ذرفت “جودي” دمعة على خدها. سالت جرعة الحليب من فمها. ذبل الورد بين وجنتين طفلتين. غفت بين راحتي أمها. سألت عن كنوز العالم كلها، تضع دمعتها الأخيرة في ميزانها.
شهق الميزان منها، وقال لها: كل كنوز العالم لا تساوي دمعة طفل واحدة.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية