رهانات خاسرة

الشمال نيوز – عامر الشعار
رهانات خاسرة
دخلت جميع الأطراف إلى السوق. أرادت أن تستطلع. أن تستكشف. أن تراقب حركة الصعود والهبوط. أرادت أن تعرف إلى أين يتجه لبنان. إلى أين تتجه رهانات الساسة. إلى أين تتجه الرهانات السياسية.
كل شيء في لبنان اليوم، بل منذ حين، هو مأزوم. فلا تزال العقد، هي ذاتها. ولا يزال المعرقلون هم ذاتهم. ولا تزال الوساطات، تقف عند عتبة التكليف، دون أن تبرحها إلى عتبة التأليف.
لا إختراقات في المواقف، ولا تقدم في المفاوضات.
جمود قاس، يحزم الجمهورية كلها، ولا يأذن بتسييل السياسة، ولا بتذليل الصعوبات. ولا بفتح الباب أمام الخروقات.
كل شيء جامد في لبنان، إلا حركة إرتفاع الأسعار. إلا حركة إرتفاع العملات. إلا حركة إرتفاع سعر الدولار.
كل شيء غدا مضبوطا بحزم في لبنان، إلا حركة الناس في الشوارع، حيث “رحلة البحث اليومية” التي يقطعونها، في طلب الدواء، وفي طلب الخبز. وفي طلب الماء والكهرباء، والبنزين والمازوت وسائر صنوف المواد الإستهلاكية والمحروقات.
الكل ينتظر الكل، داخل لبنان. والكل ينتظر الكل خارج لبنان. ومعركة لي الأذرع على حالها. ولم تسجل بعد أية حالة إختراق.
دخل لبنان، مرحلة تقطيع الوقت، بإنتظار الإستقالات التي تسبق الإنتخابات. أو بإنتظار الإنتخابات التي تسبق الإنتخابات. أو بإنتظار تكوين الملفات. وفتحها فرادى، أو… زرافات زرافات.
ليس في لبنان، هذة الأيام، من هو في عجلة من أمره. فجميع الساسة على درجة واحدة من اليأس. فلم يعد بمقدورهم، التقدم ولو بخطوة واحدة إلى الأمام. ولم يعد بمقدورهم التراجع، ولو بخطوة واحدة إلى الوراء.
جمود قاس، هو جمود الحركة السياسية في لبنان. فلم يعد للساسة فيها، ما يؤمل لهم بدور. أو ما يؤمل لهم برأي. صارت أدوارهم تأتي من الخارج. صارت آراؤهم توحى إليهم من الخارج.
قصور عاطلة. مجالس عاطلة. وزارات عاطلة. إدارات ومصالح عاطلة.
كل شيء معطل في لبنان. كل شيء تعطل فيه، حتى إنبوبة الأوكسجين.
لم يعد اللبنانيون يأملون، إلا ساعة أو ساعتين من الكهرباء، ينعشون بها أكبادهم، بإنتظار الموت الرحيم.
رهانات خاسرة، هي رهانات اللبنانيين.
ما راهنوا على أمر، إلا ورهنوه لأمر الخارج. صاروا “يأكلون مما لا يزرعون. ويلبسون مما لا ينسجون”. تحيفهم الويل والليل، وهم لا يعلمون.
رهانات اللبنانيين كلها خاسرة، حين تسلم الخارج زعماءهم. وصار يطعمهم ويشربهم. فشمت بهم العالم وهتف لهم ساخرا:
“دع المكارم لا ترحل لبغيتها/
وإجلس فأنت الطاعم الكاسي.”
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية