اخبار لبنان ??

د. بول الحامض: نحو جيل جديد من المشرّعين يحفظ الديمقراطية في لبنان

الشمال نيوز – عامر الشعار

. بول الحامض: نحو جيل جديد من المشرّعين يحفظ الديمقراطية في لبنان

د. بول الحامض

جريدة الحرة ـ بيروت

وفق مفهوم العلوم السياسية، من المفترض أن تُشكّل الديمقراطية إحدى أهم القيم الأساسية في ممارسة نظامٍ تشريعي خالٍ من التبعية والارتهان، مع التذكير بأنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اعتبر أنّ إرادة الشعوب هي الركن الأساسي لأي سلطة حكومية حرّة ومستقلة. كما أنّ النظامين السياسي العالمي والإقليمي يجمعان على أنّ مبدأ الانتخابات يقوم على ثوابت أساسية، أبرزها: أن تكون دورية، حقيقية، عبر اقتراع نزيه، وبقانون يراعي التمثيل السليم.

الانتخابات النيابية المقبلة هي محطّ أنظار الخارج العربي والدولي، وكذلك أنظار اللبنانيين الأحرار المتحرّرين من عقد الزبائنية والطائفية والمذهبية والمصالح الخاصة. ومن المفترض، وفق الأصول الديمقراطية، أن تسقط هذه “المعضلة النيابية الوهمية” أمام الأكثرية الحقيقية، على مرأى من المجتمعات اللبنانية والعربية والدولية.

كما يُفترض بالانتخابات المقبلة أن تغيّر النهج السياسي العام في البلاد، وأن تدعم مطالب الشعب اللبناني المكفولة في الدستور والمقرّة في شرعة حقوق الإنسان، خصوصًا بعد فشل النظام القائم الذي يعمل خلافًا للأصول الديمقراطية. فالإصلاحات الحقيقية لن تتحقق عبر مجلسٍ يأتي بتزوير إرادة الشعب، بعدما بات واضحًا أنّ التعايش بين خطَّين متناقضين مستحيل: خطٍّ يصرّ على تكريس التزوير، وآخر ينادي بإرادة الشعب.

الانتخابات النيابية المقبلة ينبغي أن تنطلق من نهج شعبي تثقيفي، تنويري، وتشريعي، في مواجهة نهج إقصائي إقطاعي سئمه اللبنانيون بشعارات جوفاء غير قابلة للتنفيذ، وأقل ما يُقال عنها إنّها كيدية، تعجيزية، تكفيرية وتجويعية، مرفقة بوعودٍ كاذبة. في المقابل، يُجمع المنطق القانوني والدستوري والتشريعي على أنّ اللبنانيين يحتاجون إلى خطوات عملية تُترجم تشريعات واضحة داخل اللجان النيابية المتخصصة.

وانطلاقًا من إيماننا بالنظام الديمقراطي وبحرية ونزاهة الانتخابات، نتقدّم بجملة مقترحات أساسية، نذكر منها:
أ – تقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعي مبدأ المساواة والتمثيل العادل.
ب – اعتماد الدائرة الصغرى.
ج – تفعيل الرقابة المحلية والإقليمية والدولية من خلال هيئة قانونية ومدنية ذات مصداقية.
د – ضمان استفادة جميع المرشحين بشكل متساوٍ من وسائل الإعلام.

وجهة نظرنا التشريعية، المستندة إلى القواعد القانونية، تؤكد أنّ الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب ولأجل الشعب. وهي، علميًا، حالة تطابق كامل بين الحاكم والمحكوم، ونظام مثالي تسعى غالبية الشعوب إلى بلوغه. تطبيق هذا النظام في لبنان أصبح ضرورة بعد سنوات عجاف من التراجع والانحراف عن المسار الديمقراطي. فالديمقراطية تعني تمكين القوى المعارضة أو التوّاقة للتغيير من المشاركة في النقاش السياسي دون ترهيب أو إعاقة، كما تعني تمكين الشعب من اختيار ممثليه بحرية كاملة وضمان انتقال سليم ومنظّم للسلطة.

وينصّ الدستور اللبناني على أنّه “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. غير أنّ القوانين الانتخابية الحالية، المصاغة على المقاس، حلّت مكان الديمقراطية الشعبية، والمحاسبة، والمساءلة التي تشكّل جوهر أي نظام ديمقراطي. وقد أدّى ذلك إلى اتساع الهوّة وفقدان الثقة بين الشعب والنظام السياسي: فلا الشعب يثق بالدولة أو بالمجلس النيابي الذي لم يُنتخب وفق المعايير الديمقراطية منذ التسعينات ولا يمثّل الغالبية الفعلية للرأي العام، ولا الحكومة والنظام السياسي يهتمان بآراء الأكثرية، بل يتصرّفان بتجاهل كامل للمؤسسات الديمقراطية التي يُفترض أن يمثلاها.

إنّ الديمقراطية في الجمهورية اللبنانية في حالة وفاة سريرية، والرأي العام اللبناني – ونحن جزء منه – يواجه انتهاكًا صارخًا لمبادئها. ونخشى أن تتكرر الظروف نفسها، ما يضطرّنا إلى رفع الصوت للمطالبة بإعادة النظر في القانون الانتخابي الحالي، لأنّ الانتخابات النيابية هي المدخل الوحيد إلى سلطة ديمقراطية مستقلة.

نحن مجموعة فكرية تتوق إلى الحرية والديمقراطية، ونؤمن بأنّ على الجيل الجديد من المشرّعين أن يمثّل الغالبية اللبنانية، ويعمل على درس وإقرار قوانين تكفل صون الديمقراطية وضمان حسن سير العمل السياسي والتشريعي.

مؤسس جمعية “الإنماء الفكري التشريعي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى