المرأة اللبنانية والانتخابات البلدية: نحو تمكين يتجاوز الرمزية ويعيد تشكيل القرار المحلي
الشمال نيوز – عامر الشعار
د. فاطمة الموسوي
المرأة اللبنانية والانتخابات البلدية: نحو تمكين يتجاوز الرمزية ويعيد تشكيل القرار المحلي
في المجتمع اللبناني، حيث تتقاطع البنى التقليدية مع مظاهر الحداثة السياسية، لا تزال مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية محكومة بثنائية حادة: من جهة، الاعتراف القانوني بحقها في الترشح والانتخاب منذ عقود؛ ومن جهة أخرى، حضورها الهش داخل المجالس البلدية، لا كمحصّلة حسابية ضعيفة فقط، بل كترجمة فعلية لعجز بنيوي عن دمج النساء كمكونات أصيلة في العملية السياسية المحلية.
ليست الإشكالية هنا في غياب إرادة لدى النساء للانخراط، بل في غياب بيئة سياسية ومجتمعية تسمح بتمكين حقيقي. إذ تُبقي الطوائف، العائلات السياسية، والأطر الزبائنية هيمنتها على المجال البلدي، مما يُفضي إلى إعادة إنتاج الهرمية الجندرية القائمة. فبينما تبدو الانتخابات البلدية وكأنها أكثر انفتاحًا وأقل تسييسًا من الانتخابات النيابية، إلا أن سيطرة العائلات والأحزاب عليها تُنتج أنظمة إقصاء ناعمة تستبعد النساء من الترشح الجدي، أو تحصرهن في لوائح تزيينية.
ويبدو هذا التهميش أكثر خطورة حين نضعه ضمن سياق الانهيار الاجتماعي الذي يعيشه لبنان، حيث تتصاعد الحاجة إلى نماذج حكم أكثر عدالة، أكثر إنصاتًا، وأكثر التزامًا بالصالح العام. والمرأة، في هذا السياق، ليست ضحية فقط، بل فاعلة اجتماعية تحتك يوميًا بمفاعيل الأزمة، وتُدير واقعًا يوميًا معقّدًا من دون أن يُعترف لها بحق التأثير في القرار المحلي الذي ينظّم هذا الواقع.
إن تمكين المرأة في الانتخابات البلدية اللبنانية يجب أن يُفهم كاستحقاق ديمقراطي، لكنه في جوهره قضية **عدالة جندرية** تتطلب نزع الشرعية عن نظام الامتيازات الذكوري، وتفكيك الفرضيات الثقافية التي تعتبر السياسة حكراً على الرجال. فالمرأة، حين تُستثنى من الحقل البلدي، تُقصى فعليًا من السياسات التي تمسّ المياه، النفايات، التعليم، الرعاية، النقل – أي من الحياة اليومية التي تديرها فعليًا من دون أن تقرّر فيها.
من هنا، لا بد من إعادة طرح سؤال: ما الذي يمنع النساء من أن يكنّ قياديات بلديات في لبنان؟ وهل التمكين المطلوب هو في تحفيز الترشح فقط، أم في إعادة تعريف السلطة البلدية ذاتها؟
فالبلدية، بما هي إطار إداري وتنموي وتنظيمي، يمكن أن تتحول إلى فضاء يعكس القيم الجندرية الجديدة، فقط إذا ما تمّ تفكيك الروابط التي تجعلها امتدادًا لسلطة العائلة أو الطائفة أو الحزب. حينها فقط، يمكن أن يتشكل نمط جديد من الحوكمة المحلية، تكون فيه المرأة فاعلاً أساسيًا، ليس لأنها “تمثل النساء”، بل لأنها تجلب معها منظورًا بديلاً في فهم العلاقة مع الحي، والناس، والخدمة العامة.
إن المشاركة النسائية الفعلية في البلديات، إذًا، لا ينبغي أن تكون امتدادًا لقواعد اللعبة القائمة، بل لحظة انقطاع تُعيد تشكيل هذه القواعد، وتفتح المجال أمام خطاب جديد حول الشأن العام المحلي، يدمج البُعد الجندري ضمن السياسات لا ضمن الشعارات.
وإذا كانت الانتخابات البلدية المقبلة تُجرى وسط أزمة وطنية متعددة الأبعاد، فإنها تحمل – في المقابل – إمكانًا لتحوّل ديمقراطي نوعي، شرط أن يُعاد النظر في موقع النساء داخلها، لا كعنصر تكميلي، بل كمكوّن تأسيسي لإعادة بناء المجال العام المحلي من الأساس.
بهذا المعنى، تصبح مشاركة المرأة البلدية ليست فقط حقًا، بل ضرورة بنيوية لإنتاج سياسة ذات معنى، ولتخيل بلديات قادرة على الحياة وسط الركام.