ثقافة وفنون

شح المياه

الشمال نيوز – عامر الشعار

شح المياه

أزمة التهريب في لبنان، أرشدتنا إلى أشياء مهمة. كشفت لنا الوقائع. كشفت لنا المواقع. كشفت لنا الأسماء. كشفت لنا الجهات.كشفت لنا الحلقات. كشفت لنا الإرتباطات. كشفت لنا الدوائر.
صار التهريب إغارة. صارة التهريب غزوة. صارة التهريب غارة. وصار له مغيرون عابرون للطوائف. عابرون للأحزاب. عابرون للمناطق.
صار للتهريب مغيرون في كل البلاد.
آخر بدائع عملاء التهريب في لبنان ظهور “دائرة المصالح المشتركة للمهربين.” ظهور نقابة لهم على حد قول أحد الإعلاميين في جريدة الشرق الأوسط اليوم.
دائرة، نقابة، سمها ما شئت، ترعى مصالحهم وتدير شؤونهم. وتؤمن لهم شغلهم ومواردهم وحصصهم وماليتهم العامة على حد سواء. و”من حضر القسمة فليقتسم.”
آخر إبداعات دائرة المهربين، أو نقابة المهربين اللصوص، كان التواصل والتنسيق بين أربع شبكات. وجعلها دائرة واحدة. تعرف بدائرة “الدفع الرباعي”.
كشف تخزين المازوت وتهريبه، كيف يصير شحيحا على المؤسسات العامة والخاصة. وعلى المصالح العامة والمستقلة. وصار ذلك واضحا للعيان ك”العين البلقاء”، او كالعين الحولاء، إرتباط شح الماء بشح المازوت.
صار السؤال عن ندرة الماء في الوصول إلى البيوت، يؤول لدى الوزراء و المدراء والموظفين، إلى شح المازوت.
كانت الإجابات ساخنة عادة: شك يؤدي إلى شك. مثل الجنس. وشح يؤدي إلى شح. مثل العجز.
و بلمختصر المفيد: لا مازوت، لا مياه، لبيروت.
ترسو هذة المعادلة بكل قسوتها، في عز الصيف. في آب اللهاب. في زمن إنقطاع الكهرباء المستدام، على عجلة موصوفة ب “ذات الدفع الرباعي”.
يتم التفاهم بين مهربي الماء، وبين مهربي المازوت والكهرباء، على عدم وصول مصادر الطاقة إلى الخزانات وإلى المحولات. وإلى المضخات: نعني المازوت والكهرباء، إلى محطات المياه، لتشغيل المضخات.
يجري التنسيق بعد ذلك، بين وزارتي الطاقة والمياه، ب”رعاية الشح”. صار الشح له رعاية مستدامة.
قبالة ذلك، يندفع المهربون والقراصنة واللصوص، لمتابعة النهب المنظم، للطاقة وللمياه، على حد سواء.
تنشأ دائرة المتعهدين، للمازوت المهرب إلى السوق السوداء. كما تنشأ بموازاتها تماما، دائرة تهريب الماء من خزانات المصالح المائية والمضخات التابعة لها، لتهريبها. ترى الصهاريج مصطفة في تلة الخياط، أربعا وعشرين على أربع وعشرين. لتباع في السوق السوداء.
بموازاة ذلك، نشأت دائرة أصحاب الصهاريج. صارت على أنواع. تبعا لإختصاصاتها.
هناك دائرة مختصة بصهاريج المازوت والبنزين. تنهب الأرض نهبا فيالليل وفي النهار. لتفرغ حمولتهاعلى الحدود.
وهناك دائرة مختصة بصهاريج المياه. مصطفة تحت الخزات، لتفرغ حمولتها في الفناد والمطاعم والمقاهي والبيوت. وهناك دائرة تجمع بين الإختصاصين السالفين: المازوت و المياه. تعمل هذة الدائرة على خطين: الخط الساخن، والخط البارد على حد سواء.
كشف “شح المياه” في بيروت، عن تنسيق مشبوه، بين وزارتي الطاقة والمياه. بحيث يكون الشح واقعا يوميا يكابده الناس في بيوتهم وفي محالهم، وفي جميع مصالحهم العامة، من فنادق ومقاهي وأندية ومطاعم. بحيث يصير الطلب على الماء في موسم الصيف لا يرحم. ولهذا تتعاظم الفواتير للسوق السوداء ويصبح السعر وفاقا للعرض والطلب.
شح المياه في بيروت، معقود بشح الكهرباء و المازوت. وهما شركة، بل شراكة بل شركة واحدة مغفلة، بين مهربي الدائرتين. والفارق الوحيد بين المنهجين، لدى هاتين الدائرتين، أن مهربي المازوت، صارت لهم حقول نفط تحت الأرض على الحدود، ترعاها وزارة الطاقة، أو يرعاها الزملاء المهربون. أما مهربو المياه، فيسطون على الماء من أقنية موصولة بالخزانات، ومن “بلاليع” مستورة. بحيث يصير لكل مهرب “بالوعه”. بالوع خاص به لتعبئة الصهاريج، وبيع مياه الوطن والمواطنين و الدولة في السوق السوداء.
التهريب في لبنان شركة بين المهربين. وخصوصا بين مصالح الطاقة ومصالح المياه.
نلحظ في هذا المجال “عجلة التهريب الرباعية الدفع”.
تقوم هذة “العجلة” على أربعة دواليب. على أربع دوائر:
1- دائرة الموظفين في الطاقة.
2- دائرة الموظفين في المياه.
3- دائرة مالكي الصهاريج للمحروقات وخصوصا لنقل المازوت.
4- دائرة مالكي الصهاريج لنقل المياه.
وتبدأ العجلة الرباعية الدفع، تدور على رقاب الناس.
طوابير ذل أمام محطات الوقود. وطوابير ذل أمام مكاتب الشركات الخاصة لنقل وتوصيل المياه.
وبعد،
كشفت لعبة شح المياه في بيروت والجبل، عن العلاقة المشبوهة، بين عملاء الطاقة، وعملاء المياه.
ويمكن لنا أن نقدر الثروات التي نهبها المهربون، من رأس الدولة، حتى آخر عميل له، في هذة الوزارة التي تجمع، بين حاجتين أساسيتين، يقوم عليها البيت الأسري، والمعمل الوطني، في بيروت والجبل.
وأما القيمون على هذة الوزارة الثنائية الحاجة، والتي تربط رحى المياه، برحى المازوت، فهي أصل البلاء، لأن القيمين عليها، يعملون فيها، لا كموظفين شرفاء. بل كعملاء أنذال، أين منهم عملاء العدو.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى