علي شندب يكتب في عروبة 22 : الجنائيّة” ووقف الحرب على لبنان: نهاية “الإسناد” وتمزيق “الساحات”!
الشمال نيوز – عامر الشعار
علي شندب
ثمّة ما يشبه الانقلاب في النّظام الدّولي. فردود الفعل الأميركيّة المنفلتة على مذكرتَيْ اعتقال بنيامين نتنياهو ووزير حربه المُقال يوآف غالانت كانت عاصفةً في واشنطن أكثر من تل أبيب إيّاها. وتصريحات بعض قادة الكونغرس دعت لتفعيل “قانون غزو لاهاي” المُقرّ لحماية الأفراد والمصالح الأميركية، حمايةً لنتنياهو وغالانت.
تهديد ووعيد لم يقتصرا على مدعي عام المحكمة وقضاتها، بل شملا دولًا أوروبيّة مدجّجة بالعضوية النووية لمجلس الأمن. وبدت تهديدات ليندسي غراهام السيناتور الجمهوري صارخةً وهو يوزّعها بالجملة بين حكومات كندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا… “سنعاقبكم إذا حاولتم مساعدة المحكمة الجنائيّة الدوليّة”، التي يبدو أنّ قرارها توقيف نتنياهو وغالانت أثار غضب وحفيظة متشدّدي الكونغرس الذين يرون في القرار خطرًا يستهدفهم.
من دون تردّد، أطلق غراهام تهديدًا للأوروبيّين مفاده أنّ الولايات المتحدة “ستسحق اقتصادكم إذا حاولتم مساعدة المحكمة”، واستعار من جورج دبليو بوش مقاربته لغزو العراق بقوله “عليكم الاختيار بين المحكمة الجنائيّة الدوليّة المارقة وبين أميركا”.
التهديدات الأميركيّة التي عبّر عنها أيضًا ساكنا البيت الأبيض، الحالي جو بايدن والمقبل دونالد ترامب، سرعان ما انعكست تبايُنًا في مواقف بعض الدول الأوروبية التي أعلنت التزامها بقرار الجنائيّة الدوليّة باستثناء المجر. لكن الارتباك والتبايُن أصابا فرنسا بفعل الفيتو الإسرائيلي على عضويتها في لجنة الإشراف على وقف إطلاق النّار في لبنان، فانتقلت من الالتزام بالقرار إلى دراسة الإجراءات والتنسيق بشأنها، ما سمح لها بالبقاء في لجنة الإشراف على وقف النار في جنوبي لبنان.
من المصادفات المزمنة أنّ قرار الجنائيّة الدوليّة صدر في اللحظة التي كان فيها نتنياهو يناقش مع المبعوث الأميركي آموس هوكستين مسوّدة وقف إطلاق النار في لبنان، ما جعل بطبيعة الحال قرار الجنائيّة الدوليّة يتقدّم إعلاميًا على وقف إطلاق النار الذي سرعان ما عاد إلى تصدّر المشهد بعد سلسلة من التسريبات الأميركية الإسرائيلية المتضاربة حيال بعض بنوده الغامضة والمعروفة، ما سمح أخيرًا بالتوافق عليه ليبقى تنفيذه رهن حسن تنفيذ إعادة الحياة للقرار 1701.
Bottom of Form
القارئ المتأنّي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يرى أنّ جيش الاحتلال وعلى الرّغم من قوّته الناريّة التدميريّة فشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجيّة التي سبق وأعلنها نتنياهو من فوق جثة زعيم “حزب الله” وهو يتحدّث عن تغيير الشرق الأوسط. فالحزب تلقّى ضربات نوعيّة أصابت بعض عقله وجزءًا من عموده الفقري، لكنه أعاد ترميم هيكليته في قلب معموديّة النّار الإسرائيليّة التي أزالت وأبادت الكثير من القرى والبلدات على امتداد لبنان وصولًا إلى الشريط الحدودي مع سوريا بهدف تقطيع جسور الإمدادات لـ”حزب الله”. وقد توّج الحزب ردوده على إسرائيل بمعمودية صواريخ أصابت تل أبيب وما حولها وما بعدها، وستبقى مرحلة العدوان على لبنان وأداء “حزب الله” من دون حسن نصر الله الذي ربما حال استشهاده دون تكراره عبارة “لو كنتُ أعلم”، محل تقييم دقيق خلال المرحلة المقبلة.
وعلى الرّغم من أنّ عمليّات “حزب الله” ضد إسرائيل بقيت تحت شعار الإسناد لغزّة والمقاومة الفلسطينيّة، إلا أنّ مفعول هذا الإسناد انتهى بعد سريان وقف إطلاق النار، ما سيطرح الأسئلة السجاليّة حول جدوى وأهمية ومردود فتح هذه الجبهة فلسطينيًّا ولبنانيًّا. ورُبّ أكثر من قائل بأنّ قرار فتح جبهة الإسناد اتّسم بالارتجال ولا سيّما في ظل تأكيد الحزب وكل محور المقاومة أنهم لم يكونوا على علمٍ بـ”طوفان الأقصى” الذي ذهبت الكثير من حبكاته السريّة مع مهندس “الطوفان” الشهيد يحيى السّنوار.
قبل “الطوفان”، تناوب كل من نصر الله وقادة المقاومة الفلسطينيّة وبينهم أمين عام حركة “الجهاد الإسلامي” زياد نخالة، التنظير تارةً لوحدة الساحات وطورًا لمحور المقاومة. ومن دون شكّ، سيشكّل وقف إطلاق النّار في لبنان بمعزل عن غزّة، توازيًا مع مداواة الجراح العميقة، متنفّسًا لـ”حزب الله” وحركات المقاومة لقراءة التجربة وتقييمها في ضوء التكاليف غير المسبوقة التي تكبّدتها غزّة والساحات المساندة لها، خصوصًا تلك التي أصابت الجموع الفلسطينيّة واللبنانيّة والتي هامت على وجوهها قتلًا وتدميرًا وتهجيرًا وتهديدًا وجوديًّا لها. لهذا فتدقيق التكاليف وتقييم الخسائر في البيئات المساندة أمر ضروري جدًّا لنرى هل من انتصاراتٍ توازي حجم الخسائر التي قضت على آخر بيت فلسطيني في غزّة، وكانت ستقضي على آخر بيت لبناني لولا وقف إطلاق النار!
وقف النار في لبنان بمعزل عن غزّة، جزء من استراتيجية نتنياهو ومن خلفه الإدارة الأميركية في تمزيق الساحات، بل وفي افتراسها ساحةً تلو أخرى. وهنا علينا التوقف مليًّا حيال التهديدات الإسرائيليّة الجديّة باستهداف العراق على خلفيّة مساندة فصائل “المقاومة الاسلاميّة في العراق” لجبهتي غزّة ولبنان. وهو ما دفع إسرائيل إلى رفع شكوى لمجلس الأمن، في اندفاعة إسرائيليّة ديبلوماسيّة ضد الفصائل الموالية لإيران في العراق، تؤكّد تصميم نتنياهو على استهدافها وفق المعايير عينها التي استخدمها ضد “حزب الله”، ما يعني وبالضّرورة قلبًا للأوضاع في العراق التي استهلّها الإعلام الإسرائيلي بوضع المرجع الشيعي الأعلى علي السّيستاني على لوائح الاغتيال، وهي استهدافات تمهيديّة لتوجيه ضربة استراتيجيّة ضد إيران التي يتردّد أنها أبلغت محاوريها الأميركيين باستعدادها للتخلّي عن الردّ على الردّ الإسرائيلي إذا ما أُعلن عن وقف إطلاق النار!
أخيرًا، لم يغفل هذا التقدير عمدًا الكلام عن “معاهدة الدّفاع العربي المشترك” التي ربّما تفرض التحوّلات الهائلة في المنطقة والعالم إعادة النظر فيها وبجامعة الدول العربية معًا، حتى لا تبقى ديار العرب بين فكّي مشروعَيْن تقوم استراتجيتهما على افتراس ما تبقّى من الديار.
https://ourouba22.com/article/4358