العالم السبراني وأوليغارشية التافهون وسطوتهم
الشمال نيوز – عامر الشعار
العالم السبراني وأوليغارشية التافهون وسطوتهم
كتبت : نضال شهاب
قبل ظهور العالم الأزرق ومنصاته التي تسمى بوسائل التواصل الإجتماعي وهي بمعظمها وسائل للتباعد أو الإنفصال الإجتماعي، كان العالم يتغذى من ثقافة النُخب التي تقود المجتمع فترشده وتؤثر به.
في السابق كان المجتمع يستند على أقوال الحكماء والعلماء…أما اليوم وللأسف فيجتاح العالم الرقمي جيش من الذباب السبراني الذي يسيطر ويسطو بقوة على جيلٍ هش قد يستطيع التأثير به من قبل من يطلقون على أنفسهم إسم مؤثرين.
ففي السابق يا كرام كان من يعرض تفاهاته على الناس يُلقب بالآبله ،أما الأن فأصبح إسمه “تيكتوكر”،ومن كان يتحدث عن أموره الخاصة للناس كان يُلقب بالمجرس،أما اليوم فأصبح إسمه مؤثر،ومن كان يتدخل في شؤون الناس الخاصة ويحثهم على الباطل كان يسمى منظّر،أما اليوم فيسمى مدرب حياة،ومن كان يستعطي من المارة أصبح اليوم يستعطي من خلال الشاشة الرقمية…
عصر عصيب وأشخاص غريبون يتعاطون وبكل وقاحة بالتفاهة الدكتاتورية الرقمية حاجزين لأنفسهم مكانة كبيرة لدى صغار العقول.
تشهد منصات التواصل الإجتماعي تكالب وسطو صناع المحتوى الرقمي على العقول، حيث العبارات النابية البذيئة والعنصرية والتفاهة وقلة الحياء وإشترار المواقف الساقطة والمقززة…وما خفي كان أعظم.
“شفت يا أستاذ الأدب وصلك لفين”
بات الدخل المادي للمؤثرين من الصف الأول بينهم يُحسب بملايين الدولارات سنويًا، بينما يتلقى من جاهد وتعب ودرس وثقف نفسه لعقود وعقود حفنة قليلة من المال،ونروي على سبيل الطرفة قصة الراقصة التي صادفت الأديب نجيب محفوظ بسيارتها الفارهة،وكان بسيارته القديمة،فسلمت عليه ونظرت إلى سيارته قائلة:شفت يا أستاذ الأدب وصلك لفين؟.
الفيلسوف الكندي “آلان دونو” يتحدث في كتابه الشيق الذي يحمل عنوان “نظام التفاهة”عن النظام الإجتماعي الذي يسيطر فيه الأشخاص التافهون على جميع مناحي الحياة، وبموجبه تتم مكافأة الرداءة والتفاهة عوضًا عن العمل الجاد والملتزم…إنها تفاهات الزمن،إنهم أو بمعظمهم ذباب العالم الرقمي الذي وُجد لتسهيل وتحسين حياة الإنسان فصنع منه المتطفلون والتافهون عالمًا من التفاهة.
ويسأل دونو:أما وجب العمل للإطاحة بنظام التفاهة؟
ويخلص إلى أننا نعيش في ظل “الأوليغارشية” أو حكم الأقلية،ويسرد واقع تضخم أدوار الشركات العالمية التي تنهب موارد الدول من خلال توظيف مصطلحات فضفاضة مثل “الحوكمة”،مما يفضي إلى إفراغ سلطات الحكومات من محتواها،إذ تصبح مجرد غطاء وواجهة لأصحاب رؤوس الأموال والتافهين الذين يتسيّدون عالمنا،فالسبيل وكما يرى للإطاحة بنظام التفاهة يكمن بالقطيعة الجمعية،وليس عبر نُشدان الخلاص الفردي.
وبعد أن وقع بعض المؤثرين في لبنان بقبضة القضاء،عرفنا بالدليل القاطع الدور الذي يلعبه معظمهم في مساعدة العصابات والترويج للشذوذ والآفات المجتمعية الخطرة.
ونرى أن العالم الأزرق وضعنا ورغم كل ما يقال عن أهميته التقنية والعلمية والإقتصادية…في مأزقٍ نفسيٍّ،فالأفكار والقناعات التي تُنشر من خلاله تحت ما يسمى بنشر المعرفة،وخدمة الإنسانية هي وبلا شك الوهم الشامل والقاتل الذي يسطره المسيطرون بـخوارزميات العالم السبراني على عقول البشر،فالأفكار باتت مشاعات ملقاة على قارعة الطرقات السبرانية،يحق للناس تداولها بكل وقاحة وتشويه وفوضى،عابثين بآداب الإقتباس الفكري.
أما عن الحلول فنجد أنها تكمن بالرفض المجتمعي لأن فساد التواصل الإجتماعي يشبه الى حدٍ كبير الفساد الواقعي في النوادي الليلية التي تنتشر كالنار في هشيم المجتمع الهش.
فلتلعب القوى الأمنية دورها الحازم بإدارة الأمن السبراني وكذلك الإدعاء العام ووزارة الإتصالات فهي المسؤولة عن بروتوكولات شبكة الإنترنت،ولا ننسى دور النخب والكفاءات في النقابات ومنظمات المجتمع المدني،بمحاربة هذه الحرب الكونية التي تفتك بالمجتمع وتهدد مستقبل الأجيال.