علي شندب يكتب في عروبة 22: التطبيع المزدوج… وحرب الطريق والممرّ

الشمال نيوز – عامر الشعار
التطبيع المزدوج… وحرب “الطريق والممرّ
منذ انعقاد قمّة دول مجلس التعاون الخليجي بمدينة العُلا في المملكة العربية السعودية قبل عامين، بحضور وزير خارجية مصر سامح شكري ومستشار الرئيس الأميركي السابق جاريد كوشنير، والتي سُمّيت وقتذاك بقمّة المصالحة مع قطر، يمكن القول إنّ مسارًا عربيًا خليجيًا جديدًا ومختلفًا قد انطلق، وانطلقت معه ديناميات جديدة عنوانُها المصالحات العربية.

كما كان الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر من خارج صندوق التوقعات، كانت المصالحة في قمة العُلا من خارج الصندوق أيضًا، ويومها كتبنا أنّ “قمة العُلا أبعد من المصالحة مع قطر”. فقد أقفلت هذه المصالحة الثغرة التي تتسلّل منها تركيا وإيران الى الدواخل العربية. وإذ كان ترحيب اردوغان لافتًا بالقمّة واعتباره “المصالحة الخليجية قرارًا صائبًا وخطوةً مباركة من شأنها تعزيز التعاون الإقليمي بين تركيا ومجلس التعاون الخليجي”، شنّت إيران هجومًا على القمّة وبيانها الذي حافظ على الموقف التقليدي لدول الاعتدال العربي من القضية الفلسطينية.
بعد ذلك توالت مفاعيل قمّة العُلا بإرساء المصالحات بين الإمارات والسعودية مع تركيا التي أقفلت ملف مقتل الصحافي جمال خاشقجي وسلّمته إلى القضاء السعودي. وأيضًا بتبريد التوترات مع مصر باتجاه المصالحة وفقًا للمطالب المصرية بتسليم أنقره لكوادر “الإخوان” المتواجدين على الأراضي التركية، وكانت النتيجة إبعاد تركيا لعدد منهم، وإقفال بعض منصّاتهم وقنواتهم الإعلامية التي هاجر بعضها إلى لندن. ثم أخذت العلاقات المصرية التركية تتطوّر من تفعيل السفارات، إلى لقاءات بين الرئيس المصري ونظيره التركي خارج بلديهما، إلى اندفاعة مصر والدول الخليجية لمساعدة تركيا وسوريا في مواجهة الزلزال الذي ضربهما.
بايدن أعلن مغادرة المنطقة لمواجهة الصين، وإذ بالصين تملأ فراغ الإنسحاب الأمريكي في المنطقة
كل هذا وغيره من بركات قمّة العُلا التي أسّست لمسار عربي وإقليمي جديد، يقوم على “تصفير المشاكل” ومحاولة إطفاء الحروب المشتعلة من اليمن والعراق إلى سوريا ولبنان، البلدان الأربعة التي لطالما تفاخر دهاقنة ايران بالسيطرة عليها. فكان الحوار السعودي الإيراني الذي انطلق في بغداد بوساطة رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي، ثم خلفه محمد شيّاع السوداني، والذي “خصّبته” الصين في اللحظة الاستراتيجية المناسبة ليُعلن من عاصمتها بكّين عن “الإتفاق السعودي الإيراني”، الذي ولشدّة عصفه سُمّي بالزلزال.
إنّه الزلزال الذي وضعت فيه الصين، كدولة عظمى تُنافس أمريكا على زعامة الإقتصاد العالمي، بصمتها في المنطقة التي كانت لزمن قريب حكرًا على الإستراتيجيات الأمريكية. وهو الزلزال الذي يمكن القول إنّ “القمّة العربية- الصينية في الرياض” مهّدت له، سيّما وأنه سيحرّر السعودية من المنشار الإبتزازي الأمريكي المغلّف بحمايتها من إيران دون حمايتها، والذي بلغ أوْجَه عندما سحبت واشنطن منظومات الباتريوت من المملكة قبيل قصف أذرعة إيران لمواقع “أرامكو” وغيرها بالصواريخ المجنّحة والمُسيّرات المفخّخة.
كما إنّه الزلزال الذي وقع في لحظة كان يعيش فيها العالم والمنطقة أجواء توجيه “إسرائيل” ضربة ضد مفاعلات إيران النووية، وقد استعدّ الجيش الأمريكي لها بتنفيذ مناورة مشتركة مع “إسرائيل” في النقب نفّذت خلالها مُحاكاة لقصف المفاعلات النووية شديدة التحصين.
إذن، بعد قمة العُلا المفصلية، والقمم المتوالية التي نظّمتها السعودية، استوُلد الإتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين. وفي سياق سعيها لتطبيع علاقاتها مع إيران، عملت السعودية الى تطبيع علاقاتها مع الرئيس السوري بشّار الأسد، ثمّ وجّهت له الدعوة للمشاركة في القمة العربية في جدّة. وتبرز اليوم ضغوط أمريكية لتجميد التطبيع العربي مع دمشق. وكأنّ واشنطن غضّت النظر عن التطبيع مع دمشق مرحليًا تيسيرًا لأهداف مستقبلية ليس إلّا.
بعيدًا عن الاستغراق حول التطبيع مع بشّار الأسد الذي وقّع بالأمس في بكين على شراكة استراتيجية مع الصين، بات شديد الوضوح أنّ ثلاثية الصين وإيران والسعودية، أو “الثلاثية الأولى” أنتجت التطبيع بين السعودية وإيران، فماذا عن الثلاثية الثانية …