مقالات مختارة

هل تبعث التطورات الثقافية الرقمية على القلق

الشمال نيوز  – عامر الشعار

هل تبعث التطورات الثقافية الرقمية على القلق؟

ضحى عبدالرؤوف المل

يثير كل تطور على جميع الأصعدة المخاوف، لأننا نجهل مساره المستقبلي والنتائج التي تترتب على ذلك، فالحكمة من كل ذلك هو عدم الثبات أو التجدد، وقتل الأمل والإبقاء على البطء الزمني في التطور الذي يجب أن يسعى له الإنسان، ليواكب الأمم. فجوهرية الكتابة لم تتوقف عند بدايتها نقشا على الحجارة، وانتقلت من مرحلة لمرحلة أخرى إلى أن اصبحت اليوم بالضغط على الأحرف الكيبوردية، لتشكيل الكلمة والجملة، وحتى لأرسال النصوص والرسائل والأبحاث في لحظات إلى العالم من خلال شبكة عنكبوتية، ارتبطت بما يُسمى اليوم بالذكاء الاصطناعي، الذي سيكون يوما ما قادراً على التأليف والكتابة، كالكائن الحي. فهل سنشهد إعادة تنظيم جغرافيا ثقافية لها تميزها الرقمي؟ «في الحقيقة أننا غير قادرين على أن نتيقن من وجود الآثار الضارة والبغيضة على مجتمعاتنا، أو حتى على أنفسنا في نهاية المطاف» فالتصورات الرقمية في كتاب «التطور الثقافي في العصر الرقمي» لألبيرتو اتشيربي الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، هي تحليلية عميقة جاءت نتيجة أبحاث معمقة وتساؤلات من بينها، ما علاقة الثقافة بالإنسان؟ وما علاقتها بالتقنية؟ وما دور المحاكاة والعادات والتقاليد في كل ذلك؟ وما إلى ذلك من تساؤلات سخر منها المؤلف، كما يقول أحمد الأحمري مترجم هذا الكتاب، الذي يتحدث فيه عن الكثير من المواضيع المرتبطة بالثقافة الرقمية والابتكارات المرتبطة بالتطور، وتخمين ما سيكون عليه المستقبل بمنطق الربط بين تقنيات الماضي والحاضر «وعلى وجه الخصوص السمات العامة للتطور الثقافي الإنساني والإدراكي» وكل هذا نابع من وجهة نظر المؤلف ومنظوره في مجال التطور الثقافي. وربما الخوض في معركة التغيير الثقافي عما هو معهود هو الغوص في لجج العقول غير القابلة لمفهوم التطور، والمتعلقة بما عرفته وتريد الثبات عنده، لأنها تخاف الانفتاح على مفهوم ما زالت معالمه مجهولة، والمؤلف هنا وضع أمامنا مثالا عن قطة غرامبي، التي أصبحت من مشاهير الإنترنت عام 2012.
فالتسارع في خطوات التقنيات التكنولوجية مرتبطة بشكل مباشر مع كل ما هو ثقافي شئنا أم أبينا، فلا يمكننا في ظل كل هذا التسارع في التقنيات كافة أن نتمسك ببيئة الأجداد. فهل نحاول الإبقاء على سذاجة العقول التي نكتشفها في حاضرنا، وربما يسخر من سذاجتنا الجيل القادم، بعد أكثر من عشرين ألف سنة مثلا؟ وما هي ثقافة سلوك القطيع في الفصل الرابع من هذا الكتاب؟ وهل استطاع العصر الرقمي الحالي تغيير كل شيء؟ أم أن الإنترنت اختصر الكثير من الجهد في مسألة التواصل الاجتماعي وبالتالي الثقافي وسواه؟

اللافت في هذا الكتاب الذي ربما يقول البعض إنه لم يحقق إضافات جديدة على صعيد التطور الثقافي، إلا أنه رصد حركات شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وسناب شات، وكل ما من شأنه أن يحقق رؤية مختصرة لبداية العصر الرقمي وتطوراته السريعة التي يعجز عنها العقل المحدود إذ، «تؤثر وسائل التواصل الرقمية على عملية الوصول إلى المعلومات الثقافية» فالخضوع للمكان بات في تحرر من الصيغ القديمة المعروفة بتقليديتها. فالمحاضرات اليوم التي تقام على شبكة زووم وسواها، تختصر الوقت وتبقي الأمكنة مفتوحة لاستثمارها في مجالات أخرى. وقد يتناقض هذا الكلام مع العقل المتقوقع المحتفظ بما تعودنا عليه مع الأجداد، لكننا هنا لا ننبذ طريق الأجداد، إنما نحاول تطويره، فلولاهم ما عرفنا التقدم ولا الوصول إلى ما نحن عليه، لكن التطور المتسارع في الحياة يفرض اختصارات لا بد من الاعتراف بها، «خاصة إذا علمنا بالفرضية التي تقول بأن الإعلام سيجعل من الجغرافيا مسألة عديمة القيمة، حينما يتعلق الأمر بالتفاعلات الاجتماعية التي سبق ظهورها العصر الرقمي» فهل نعيش جغرافيا افتراضية تحاكي العيش الماضي باختصار لا يمكن إنكاره بتاتا؟ وما هي أهمية الجغرافيا الرقمية في هذا العصر؟ وما دوره في تعزيز التواصل الذي تسارع أيضا كما هي حال أغلب الأشياء من حولنا التي تثير متابعة اهتمامنا بها؟ الشعور بالرضى عن النفس هو ما يجعلنا نتكبد عناء شبكات التواصل الاجتماعي وتقديم كل ما من شأنه أن يرفع من حضورنا وهو «المصطلح التطوري» الذي يشرحه البيرتو اتشيربي لتسليط الضوء على كل ما من شأنه أن يحقق لنا التطور المنشود في الحياة.

لتصبح لغة الأجداد متسلسلة وكل جيل يحقق لجيل آخر ما يمكن الاعتماد عليه، لتكوين نواة المجتمعات الثقافية، وتحديثها بشكل مستمر وبتوأمة عالمية، دون الوقوف عند المناهج التقليدية، النابعة من القديم في الحياة الواقعية بعيداً عن الافتراضية التي نعيش فيها التطورات المتسارعة، التي تجعل من عقولنا بذوراً، لتشكيل الزرع بمختلف أنواعه من ثقافة وعلم وغيره. فهل نتصرف كما لو كنا في تجارب مخبرية لألعاب اقتصادية كما يقول اتشيربي؟ وما هو الحجم المؤثر للمجتمع الثقافي؟ ومتى يمكن تحقيق القبول الثقافي كقوة اقتصادية في العالم والإقرار بها للانخراط في المكون الثقافي الذي طال انتظاره؟
قد تؤدي نظرية «أن البشر مفكرون منغلقون على أنفسهم» إلى ما يسمى الإنسان المتطور إلكترونيا والمرتبط بقوة الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع للخروج من مفهوم الذهن الشارد، «فبسبب التقنية الحديثة لم يعد أداؤنا متفوقا» فهل نتكيف ثقافيا تبعا لما نختزنه من أدلة حدسية، تجعلنا نتطور بشكل أسرع مع التقنيات التي تقدمها لنا التكنولوجيا العلمية؟ أم أننا سنقع في الكثير من المخاطر المحتملة للتأثير في العصر الرقمي؟
يقدم الكتاب الكثير من النقاط الرئيسية التي لا بد من التفكير بها ودراستها بشكل يؤدي إلى نتائج مرجوة، تتوافق مع اهتماماتنا بالثقافة الرقمية بمختلف مكوناتها المعرفية الثقافية والعلمية وغيرها، ومن ناحية مشابهة «هناك من طرح الفكرة التي تقول بأن نزعتنا للانخراط في التعلم الاجتماعي عبارة عن متغير ثقافي» فما هي الخدع والحذر والعوامل المؤثرة في اعتمادنا على التعلم الاجتماعي، الذي يتمثل في التطور الثقافي؟ وما الذي يريد أن يتبناه البيرتو اتشيربي من كتابة هذا الكتاب الذي هو بمثابة نافذة على مستقبل التطور الثقافي في العصر الرقمي، بل عصر الذكاء الاصطناعي برمته الذي سيقلب المعايير ويعيدنا إلى ثقافات الأجداد بتحديث هو نواة كل تطور شهدناه وسنشهده لاحقا.

كاتبة لبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى