العراق ولبنان يتوحّدان فساداً بالسلطة والسياسة
علاوي استقال احتجاجاً لماذا لا يستقيل وزراؤنا

الشمال نيوز – عامر الشعار
العراق ولبنان يتوحّدان فساداً بالسلطة والسياسة
علاوي استقال احتجاجاً لماذا لا يستقيل وزراؤنا؟!
رائد الخطيب_رئيس تحرير الرائد نيوز
في خطاب استقالته هذا الأسبوع، وصف وزير المال والنفط العراقي السابق علي علاوي ما رآه من داخل النظام: “هذا الأخطبوط الهائل من الفساد”، كما كتب، “محمي من قبل الأحزاب الكبرى ، والحصانة البرلمانية ، وتسليح القانون. بل وحتى القوى الأجنبية”.
مضحكٌ التشابه الكبير، بين الفسادين العراقي واللبناني، الذي باتَ مسخرة الدول، سواء في هدر الأموال العامة وسرقتها، أو في المحاصصات بدءاً من التوزير إلى حارس الأحراج والمشاعات، فساد لم يعد لدى اللبنانيين القدرة على توصيفه.
في ٢٠١٩، صُنّفً لبنان خامس أسوأ بلد من حيث الفساد في الشرق الأوسط وفقًا لمؤسّسة الشفافيّة الدوليّة. والأسوأ من ذلك، أنّه يفتقر، بحسب مؤشّرات الحوكمة العالميّة للبنك الدولي، إلى القدرة المؤسّساتيّة لمكافحة الفساد. ليس من المستغرب أن الأحزاب السياسية قد جعلت من مكافحة الفساد جزءاً محوريّاً من حملاتها الانتخابيّة.
حتى الحكومات اشتهرت بياناتها أنّها “حبر على ورق”، فهي تتعهد بمكافحة الفساد عبر تبنّي الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد، تم تشكيل وزارة لمكافحة الفساد تولّاها الوزير نقولا تويني، لكنّ الوزارة كأنها لم تكن، فقط هي مسألة فساد آخر، حيث التوظيفات وتأثيث مبنى الوزارة، ومصاريف متنوعة.
لبنان نموذج في الفساد
ليلَ أمس، أخبرني صديقي أنَّ بامكانهِ، وَصْلي بشخصٍ مهم، يحمل ملفات مهمّة حول الغموض الذي يعتري الموت المفاجئ خلال التزلج خلال هذا العام، لميشال مكتف، حيث تولّى مكتّف مشروع شحن الدولارات.
لكنّ صديقي، قال إنّ اثارة هذا الملف تتطلب حماية كبيرة، “المسألة فيها موت مؤكد، الرجل يحمل ملفات خطرة حول كبار المسؤولين في الدولة”. سألته “كم سعر الرصاصة، دولار بكل تأكيد!!””
اذاً، وفقاً للواقع المَعيش اضافةً إلى أكبر الدراسات التي قامت بها مؤسسات دولية ومحلية، فإنّ لبنان “لا يعاني فقط من الفساد البيروقراطي و”الصغير” الذي يتطلّب في كثير من الأحيان دفع رشاوى لتسهيل الإجراءات البيروقراطية، ولكن أيضاً من الفساد السياسي أو “الكبير”، المتجذّر بعمق في نظام تقاسم السلطة والشبكات الزبائنيّة”.
يظهر استطلاع للرأي العام أجرته شركة ستاتيستكس ليبانون المحدودة للإحصاء في ٢٠١٩، أن ٩٨ في المئة، من المواطنين اللبنانيين يفيدون بأنّ الفساد منتشر بشكل كبير في البلاد. ويعني ذلك بأن هناك شبه توافق على أنّ الرشاوى والواسطة—التي تنطوي على استخدام الشبكات الزبائنية والنفوذ من أجل الحصول على معروف أو النفاذ إلى الوظائف والخدمات—هي ممارسات فاسدة. أضف إلى ذلك أنّ غالبية المستجيبين يعتبرون بأنّ الفساد يتفاقم من حيث النطاق ويثقل بوطأته حياة المواطنين.
تشير الدراسة، إلى انّ تصورات الناس عن الفساد تتأثر بثلاثة عوامل: العامل الأول هو منطقة إقامتهم. تُسجَّل مستويات تصورات الفساد الأعلى في صفوف المواطنين الذين يقطنون في المحافظات الأقل نمواً على المستوى الاقتصادي، مثل عكّار، وبعلبك-الهرمل، والبقاع—وتتّسق هذه النتيجة مع البيّنة التي تفيد بأنّ المناطق الأقل نمواً تتأثر بشكل غير متكافىء بالفساد. العامل الثاني يتعلق بالأفراد الذين لديهم روابط سياسية—أولئك الذين لديهم سهولة في الوصول إلى الشبكات السياسية لغرض تأمين الخدمات الاجتماعية—والذين يعبّرون عن تصوّرات أدنى عن الفساد. ويميل هؤلاء الأفراد إلى النفاذ إلى الشبكات الزبائنية بشكل أكبر، وإلى أن يعانوا أقل من الممارسات الفاسدة، كما وأنّهم يعبّرون بشكل عام عن ثقة أكبر بالمؤسسات العامة. العامل الثالث يعنى بالمواطنون الذين يتمتّعون بهوية طائفية أقوى—أي المواطنون الذين يتماهون إلى حدّ كبير مع مجموعتهم الطائفية— فهم يرون أيضاً مستويات أدنى من الفساد.
الفساد العراقي مثل لبنان
وفقاً لدراسة معمقة قامت بها Chatham house، ونشرتها بعنوان “الفساد تحت المظلة السياسية”، الدراسة عبارة عن ٢٣ صفحة A4، كونها تعالج عوائق الإصلاح.
اخترت فصلاً من الدراسة، ، جاء فيه:
أصبح نظام الدرجات الخاصة وسيلة لتوجيه الموارد بشكل فاسد إلى كل حزب سياسي بما يتناسب مع مقدار السلطة المكتسبة في كل انتخابات.
وهكذا، تتفاوت الموارد الموزعة وفقاً لقدرة كل حزب على الفوز بالمقاعد التي غالباً ما تُترجم إلى تعيينات في الخدمة المدنية. فمنذ تشكيل مجلس الحكم في العراق عام ٢٠٠٣، أجرت البلاد خمسة انتخابات وطنية وشكلت ست حكومات وحدة وطنية.
ومع ذلك، فإن تطور النظام السياسي خلال هذا الوقت لم يضعف قبضة الأحزاب المهيمنة. بل على العكس، ازداد تأثير المصالح السياسية للأحزاب على تعيين كبار موظفي الخدمة المدنية. وأدى هذا بدوره إلى تعميق ظاهرة التسييس في مؤسسات الدولة العراقية.
لقد شهد العراق تغيرات كبيرة منذ عام ٢٠٠٣، بما في ذلك موجات الحرب الأهلية والصراع العنيف، وإدخال إصلاحات وأنظمة انتخابية مختلفة، وانقسام الأحزاب السياسية، واستقالة رئيس الوزراء، والانتفاضات الشعبية. ورغم هذه الأحداث والتغييرات، ظل نظام الفساد السياسي الذي يقوم عليه تحالف النخبة بلا مساس.
وازداد انقسام السياسة العراقية (بسبب تغلغل الأحزاب السياسية، والاقتتال الداخلي بين النخبة، والاحتجاجات التي بدأت عام ٢٠١٩ ودعت إلى إنهاء تسوية ما بعد عام ٢٠٠٣) كما استمر تسييس مؤسسات الدولة على قدم وساق. ونتيجة لذلك، ازدادت سطوة الأحزاب على مؤسسات الدولة.
وأثبت هذا النظام حتى اللحظة قدرته على تجنب جهود الإصلاح. حتى أن ضغوط مظاهرات ٢٠١٩ فشلت في تحقيق إصلاحات مستدامة رغم أن هذه المظاهرات كانت الأوسع والأطول منذ ٢٠٠٣.
ويُصعِّب تعقيد النظام – إلى جانب الدور البعيد عن الشفافية الذي تلعبه الدرجات الخاصة فيه – من مسألة التخطيط والإدراك ومن ثم الإصلاح.
لقد شهد العراق تغيرات كبيرة منذ ٢٠٠٣، بما في ذلك موجات الحرب الأهلية والصراع العنيف، وإدخال إصلاحات وأنظمة انتخابية مختلفة، وانقسام الأحزاب السياسية، واستقالة رئيس الوزراء، والانتفاضات الشعبية.
تزيد الضغوط الاقتصادية من تحديات الإصلاح، وقد أشارت تقديرات العام الماضي إلى أن التقلبات في أسعار النفط العالمية وتأثير جائحة كوفيد ١٩ قد قلصت حجم الاقتصاد العراقي بنسبة ١٠ في المئة، ما دفع الحكومة إلى أتون أزمة مطولة في ميزان المدفوعات.
في منتصف عام ٢٠٢٠، وصلت الإيرادات الحكومية إلى ٣ تريليونات دينار (نحو ٢.٥ ملياري دولار في ذلك الوقت) في الشهر، بالإنفاق الشهري البالغ ٧ تريليونات دينار (٥.٨ مليارات دولار).
أصبحت هذه الأزمة الاقتصادية القضية المهيمنة على حكومة الكاظمي. وأوضح نائب رئيس الوزراء ووزير المالية علي علّاوي في مقابلات أن العراق يمر بظروف اقتصادية مزرية، وحذر من “عواقب أمنية خطيرة” إذا لم تتم “إعادة هيكلة الاقتصاد جذرياً”، لافتاً أن أحد أهدافه الأولى للإصلاح سيكون معاشات الدولة وكشوف المرتبات. وقوبلت المحاولة الأولى لفرض إصلاحات طفيفة في نظام المعاشات التقاعدية في حزيران ٢٠٢٠ بغضب في المجتمع والبرلمان العراقيين، ما أجبر الحكومة على التراجع السريع.
وقد سلّطت هذه الواقعة الضوء على تعرض الحكومة لضغوط سياسية متضافرة من النخبة والمجتمع على نطاق أوسع.
وفي مواجهة انخفاض أسعار النفط في عام ٢٠٢٠ والمظاهرات الشعبية الشبابية، دعا علاوي والكاظمي إلى إصلاح جذري وإلى فتح الاقتصاد. ومع ذلك، فقد استمرا في مواجهة معارضة لأي مبادرة من هذا القبيل من داخل النخبة الحاكمة التي اعتمد أعضاؤها على توسيع كشوف المرتبات العامة لتعزيز دعمهم السياسي. وفي عام ٢٠٢٠، نشر علاوي وفريقه من الإصلاحيين كتاباً أبيض رسم فيه إستراتيجيته للإصلاح وسعى إلى تبرير اقتراحه لمزيد من الاقتراض المحلي والدولي لتجاوز الأزمة.
يؤكد الكتاب أن الوضع الاقتصادي كان شديد الخطورة لدرجة أن النخبة الحاكمة في العراق لم يكن لديها خيار سوى الترحيب بإصلاحات اقتصادية بعيدة المدى. وأظهرت ردة الفعل السلبية تجاه الكتاب في البرلمان كيف عمل علاوي وفريقه بمنطق مختلف عن منطق باقي النخبة الحاكمة. وأن منطق النخبة السياسية، الذي شكل النظام السياسي برمته حتى الآن، هو الاستمرار في محاولة انتزاع أكبر قدر ممكن من الأموال من الدولة حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية.
كما أن دولة العراق ستواصل الاقتراض بكثافة، بينما لا تفعل سوى القليل أو لا تفعل شيئاً لمعالجة المشاكل الهيكلية التي عانت منها كل الحكومات المُشكّلة بعد ٢٠٠٣.
طريق مشرّعة للفساد لا للاصلاح
في لبنان، لن يجرؤ وزير على الإقدام كما اقدم الوزير علاوي، سينظر إليها كنوع من الاحتجاج، لكنها بكل تأكيد لن تصلح الفساد، فغياب الإرادة السياسية قد جعل مبادرات مكافحة الفساد السابقة غير فعاّلة، بل مَنْ يجرؤ على القول لقد كافحنا وفشلنا….